القبس
«لا ينقصني شيء، لكن أحتاج لأفهم لغتك وأن تفهم لغتي!».
كان هذا جزءاً من جدال الطالب محمد العازمي مع أستاذه الجامعي في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي، حيث طبقاً لإحصائيات الهيئة العامة لشؤون المعاقين يبلغ عدد فئة الصم في الكويت 3634.
ويعد محمد العازمي من أول الطلبة الصم الذين أنهوا الثانوية العامة في نظام التعليم الجديد لفئة الصم، وبالتالي تأهّلوا للدراسة الجامعية، وليكتشفوا أنهم دخلوا عالماً لا يسمعهم، ولا ينصت الى شكاواهم، إنه عالم التعليم العالي «الأصم» تجاه صرخاتهم ومعاناتهم.
عندما انتهى الطالب محمد العازمي من دراسته الثانوية، توجّه للهيئة العامة للتعليم التطبيقي؛ ليقدم على الدراسة في احدى كلياتها، ولم يستطع التواصل مع الموظفين في القبول والتسجيل في غياب مترجم إشارة يكون وسيطاً بينهم، واضطر الى أن يستعين بخدمة تطوعية من مترجم لغة الإشارة خالد المرهان، ولتبدأ رحلته مع عالم الصم الحقيقي، الذي لا يستمع الا الى مَن يجيد الكلام المسموع!
يقول العازمي: «كان حُلمي أن أكون مدرس تربية بدنية، لكن في قسم القبول رفضوا رغبتي، مبررين أنني لا أصلح أن اكون مدرس تربية بدنية، لأني أصم!».
وأضاف العازمي، الذي بدأ دراسته في تخصص اللغة العربية: «لم يوفّروا لي مترجم لغة إشارة، وكان الدكتور يسرع بالشرح والكلام، لا أستطيع ملاحقة أو فهم لغة الشفاه، لم أفهم شيئا، وفكرت أن أجلس يوميا في الصف الأول أمام الدكتور مباشرة، حتى ينتبه لوجودي، بل كتبت له ورقة فيها اسمي وأنني أصم، وكان رده: نعم، أعلم ذلك، حتى جاء موعد الاختبار وأعطاني نفس الدكتور ورقة الاختبار، وقلت له: لا أعلم شيئاً! فقال لي: لا، أنت تعلم!».
لم يقبل العازمي برد أستاذه، بل استمر في مجادلته؛ لأنه يشعر بأنه على حق، فأحضر ورقة وقلماً، وقال له: إذا جاء لك أحد من لغة أجنبية لا تعرفها وتحدث معك فهل ستفهمه؟ فأجابه أستاذه: بالطبع لا، فقال له العازمي: وأنا كذلك لغتي هي الإشارة مختلفة عن لغتك، لا ينقصني شيء، لكن أحتاج لأفهم لغتك وأن تفهم لغتي!
بدوره، حذّر أمين سر «الجمعية الكويتية لمتابعة قضايا المعاقين»، علي ثويني من الوقوع في تلك المشاكل، التي يعاني منها الآن الطلبة الصم في التعليم العالي.
وقال: «لقد نبهنا المعنيين في التعليم العالي من فترة طويلة بأن هناك طلبة من الصم سيلتحقون بالجامعة والتعليم التطبيقي، وطلبنا أن يستعدوا بتوفير مترجمي لغة الإشارة، ودعونا لتدريس منهج لغة الإشارة في التعليم العام، واعتماده كتخصص في التعليم العالي، بحيث يخرّج لنا مترجمي لغة إشارة».
وتابع: «وما حذرنا منه وقع، وأول دفعة من فئة الصم تدرس في التعليم العالي، يواجهون معوقات تحطم حلمهم في استكمال دراستهم، فالطالب الأصم الآن في قاعة الدراسة من دون مترجم، لا يفهم شيئاً، وأريد أن أسأل هذه مسؤولية من؟ أنا أحملها للهيئة العامة للتعليم التطبيقي ولجامعة الكويت.
ويطرح ثويني حلاً لإنقاذ جيل مقبل من الطلبة الصم ستتكرر معه نفس المشكلة، ويقترح: «كما فعلنا في فترة الخمسينات في بداية التعليم الجامعي وارسال البعثات للخارج، أيضا علينا أن نرسل الطلبة الصم، ومن المرحلة الثانوية للدراسة في الخارج، لدول تسبقنا في تجربتها التعليمية مع الصم، وسيعود هؤلاء ليؤسسوا لنا تعليماً قوياً لفئة الصم».
حلم الابتعاث إلى الخارج
الطالب عبدالعزيز الشمري حلمه الحصول على بعثة للخارج، وذكر: حلمي أن أدرس في الخارج في أميركا أو بريطانيا، والسبب أني أعلم أن كل شيء متوافر لنا كصُّم في الخارج، ولن نواجه نفس المشاكل التي نواجهها في التعليم العالي في الكويت.
وأضاف: وأكبر تلك المشاكل عدم توافر مترجم للغة الإشارة، وتوجّهت لإدارة البعثات، وسألت عن فرصتي في الالتحاق بالبعثة وأنا حاصل على 70%؛ فقالوا لي لا تستحق، لا بد أن تكون حاصلاً على %75، فقلت لهم: ولكن القانون يقضي بإضافة 5 % للمعاقين؟! قالوا: نعم إذا كنت حاصلا على %65 نضيف لك الــ %5 لتصبح %70، فأجبتهم: ولكن إذا كانت درجتي 70% فلماذا تحرمونني من الـ %5؟ فهل تعاقبونني؟!
الرسوب والتحويل
محمد العجمي طالب قانون في التعليم التطبيقي لم يحظ بمترجم إشارة، وبالتالي كان الرسوب ملازما له.
وقال: لم أفهم شيئا مما يقوله الأساتذة، رغم أني حريص على كتابة ما يكتبونه، لكن في النهاية لا أفهم، هم يتكلمون باستمرار ولا أفهم ما يقولونه، وكانت النتيجة رسوبي، والسبب في رأيي هو عدم توافر مترجم.
وتساءل: كيف لأصم أن يدرس مع أستاذ يستخدم الكلام لتوصيل المعلومات، دخولنا قاعات التعليم من دون مترجم إشارة هو ليس فقط مضيعة للوقت فقط، بل هو إحباط لمستقبل وطموح الطلبة الصم».
ولم يجد محمد حلاً الا تقديم طلب تحويل لدراسة تخصص الإسلاميات بدلا من القانون، لكن طلبه قوبل بالرفض، ويقول: «فكرت في تخصص الاسلاميات، لأن لي زميلا يدرس التخصص ذاته، ومعه مترجم إشارة، لقد فكرت أن أدرس تخصصا حيث يوجد مترجم إشارة، لكن إدارة القبول رفضت لأن معدلي أقل، إذاً ما العمل؟ هل أستمر في الرسوب في تخصّص القانون؟!».
ندرة المترجمين
وتعاني الكويت من ندرة مترجمي الإشارة، وعددهم يُعدّ على الأصابع.
وخالد المرهان مترجم إشارة معتمد شاهد على معاناة الطلبة الصم في التعليم العالي، وذكر: «الصم لغتهم ليست اللغة العربية، بل لغة الإشارة، ووافقوا على قبول الطلبة الصم في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي، ولم يوفروا لهم مترجمي لغة إشارة، فكيف يفهم الطلبة؟».
وقال: تم فصل طالب من فئة الصم لتكرار رسوبه، والسبب عدم توافر مترجم إشارة له، وأطرح سؤالا على المسؤولين: ذنب ضياع مستقبل هذا الطالب الذي بذل ضعف الطالب العادي ليلتحق بدراسته الجامعية مَن يتحمله؟!
الاتصال المرئي
ويرى مترجم لغة الإشارة بنادي الصم والهيئة العامة للمعاقين بدر كرم أن الحل قد طُرح على المسؤولين، ومنذ ما يزيد على ست سنوات مضت، ولكن تم تجاهله.
وقال: شركة الاتصال المرئي هي الحل لفئة الصم، فتوفّر لهم تواصلا فوريا مع مترجم إشارة، وتبعاً للوقت الذي يحتاجه فيه، ففي الجامعة وبدلا من التنقل بين الطلبة، يكون المترجم في مكان ثابت ويتواصل مع الصم، من خلال جهاز الاتصال المرئي، وهذه الخدمة ليست فقط للطلبة، بل لكل أبناء فئة الصم الين يحتاجون التواصل مع المجتمع وفي الاماكن الحكومية وغيرها.
متاهات التقديم
يتمتع بعض طلبة الصم بإرادة لا يتمتع بها كثير من الطلبة العاديين.
هادي العجمي حصل على دبلوم متوسط على النظام القديم في دراسة الصم، ثم درس لمدة أربع سنوات بالنظام الليلي، مع وظيفته؛ ليحصل على شهادة الثانوية ليحقّق حلمه بدخول الجامعة.
ويقول: «بعد حصولي على شهادة الثانوية طلبت من عملي موافقة للالتحاق بالجامعة، وفعلا حصلت عليها وتوجّهت لجامعة الكويت لتقديم أوراقي، وتم رفضها لأني أصم، ومن ثم إرسالي بين مقرات جامعة الكويت بين الشويخ والعديلية وذلك منذ الصيف الماضي».
واضاف: وأنا بين مكاتب الموظفين ذهاباً وإياباً، حتى أخبرتني إحدى الموظفات أن موعد التقديم تم إغلاقه، وأني تأخّرت!! كيف تأخّرت وأنا منذ شهور أحاول التقديم؟! الرسالة التي وصلت إليّ: «نحن ما نبيك، لأنك أصم!!».
مقارنة بالأردن
يتساءل عضو الاتحاد الدولي للصم جابر الكندري: ما الذي ينقص الكويت لتصبح مثل كثير من الدول، ومنها العربية في مجال التعليم العالي لفئة الصم؟
وذكر: منذ سنتين زرت الأردن ووجدت الطلبة الصم يدرسون في كل مراحل التعليم العالي، وصولاً للدكتوراه من دون أي عوائق مثلنا في الكويت، لديهم تخصص جامعي للغة الإشارة يخرّج مترجمي إشارة أصبحوا بمنزلة حلقة وصل بين الصم والمجتمع بمختلف مؤسساته.
وتمنى أن نرى ذلك قريباً في الكويت، «لقد علّمت نفسي بنفسي ودرست على الإنترنت، وفي الكويت نحتاج لتفعيل القوانين التي نصفت المعاقين، وأن يسمعنا المسؤولون، ليس نحن الذي بنا صممٌ.. بل كل مسؤول يتجاهل وجودنا وحقنا في التعليم العالي حتى الحصول على الدكتوراه».