الشباب ينظرون إلى هواتفهم 150 مرة في اليوم

القبس

تشير دراسات مركز بيو للاحصاءات الى ان %75 من المراهقين يستخدمون مواقع التواصل والشباب ينظرون الى هواتفهم بمعدل 150 مرة في اليوم.

كما تشير احصائيات محلية الى ان %90 من الشباب في الكويت يستخدمون الانترنت، وهذه النسب تشير الى ان أغلب المجتمع الشباب مرتبط بالشبكة العنكبوتية، إلا ان آثار هذا الارتباط بدأت تظهر بشكل كبير.

ولا يمكننا ان ننكر ان مواقع التواصل وحتى فترة بسيطة كانت تعتبر مثالية للاستخدام، من حيث التواصل والتعارف بين الشباب من مختلف الشعوب ونشر يومياتهم وصورهم والتعبير عن آرائهم المختلفة بطريقة تدعم المبادئ الديموقراطية وتمكّن الشباب، الا ان هذا الاستخدام سرعان ما تغيّر الى نشر اخبار كاذبة والترويج المزيف والتنمر الالكتروني، مما غير شكل تلك المنصات من مواقع مثالية للتواصل وبناء العلاقات، حتى أصبحت مواقع للتنافر الاجتماعي.

ويؤكد النقاد والباحثون انه رغم ان مواقع التواصل نشأت للتواصل وتبادل الآراء، فإن ذلك قد تحوّل تماما في الآونة الاخيرة، حيث بنى كثير من الباحثين أملا على تلك المواقع، على انها ستساهم في تغيير العالم وتكون منصات التعبير السياسي والاجتماعي، وكانوا ينظرون اليها بالمثالية و«اليوتوبيا».

وتقول الينا صاحبة شركة كميوناكبل للتسويق الالكتروني لشبكة «سي بي سي» ان «تويتر» في بداياته استطاع استقطاب الشباب حول العالم وكان منصة للتعبير عن الآراء وخلق حراك شعبي لأي قضية، وكان استخدام «الهاشتاغ» فعّالا ويتم استغلاله للبحث واشراك المجتمع في شتى المجالات، الا ان ذلك قد اختلف.

والمراقب لشبكة تويتر يرى التحوّل الذي لحق بالموقع، حتى اصبح مكانا لنشر الاشاعات والاخبار المفبركة وتجييش الرأي العام وحتى الوسوم «الهاشتاغ» قد تحوّل استخدامها من رابط للبحث والادماج الى اداة تسويقية من خلال استغلال اي هاشتاغ فعّال من قبل المسوّقين للترويج لمنتجاتهم وكذلك استغلاله لنشر الفضائح والحروب الالكترونية.

حالات الانتحار

لعل ذلك الأثر بسيط جدا لو قارناه بالاثار الاخرى التي بدأ العلماء بالكشف عنها مثل التأثير في الصحة العقلية والنفسية والذاكرة.

وذكر تقرير في مجلة فانتي فير ان الآثار السلبية لمواقع التواصل بدأت تطفو على السطح، ولا يمكننا نكرانها فباتت العلاقات الاجتماعية ممزّقة تم استخدامها لتجنيد الارهابيين ونشر الكراهية وزيادة نسبة التوتر بين المستخدمين.

وتشير الدراسات الى وجود ارتباط كبير بين نسبة استخدام مواقع التواصل والشعور بالضغط الجماعي وقلة الثقة بالنفس والامراض العقلية.

كما اشارت دراسات اخرى وطبقا لتقرير نشره موقع كونفرسيشن ارتباط مواقع التواصل باضطراب النوم ومشاكل صحية بالتغذية والاحباط وخطر الانتحار.

ولعل خطر الانتحار مرتبط بقضية التنمر الالكتروني والكراهية التي تسبّبت في حالات انتحار عدة في العالم بين الشباب نتناولها في هذه الحلقة.

الشعور بالإحباط

وإذا حاولنا فهم علاقة الاحباط والثقة بالنفس والتوتّر والامراض النفسية باستخدام مواقع التواصل نجد ان مشاهدة حسابات الآخرين وصورهم، خصوصا المشاهير منهم وعارضات الازياء و«الفاشينستات»، تبعث شعور الاحباط بين المراهقين بسبب الصور والاجسام المثالية، والتي عادة ما تكون قد تعرّضت للتعديل و«الفوتوشوب» من قبل مختصين في المجال ومصورين محترفين.

كما ان حسابات المشاهير ممتلئة بصور الرحلات والتسوق والسفر والملابس المبالغ فيها من الماركات العالمية الباهظة الثمن، والتي عادة ما تعكس حياة مرفهة وسعيدة تثير الشباب، حيث يتولد لديهم احساس بأن حياة الآخرين افضل من حياتهم.. وحياة المشاهير و«الفاشينستا» تلك التي يتم استعراضها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا تعكس يوميات الشباب التقليدية ولا الترف والتسوق يعكس ما يستطيع الشباب شراءه، مما يجعلهم يشعرون بالعجز.

وتوّلد كذلك شعور بعدم استطاعة اللحاق بالقطار وانهم يعيشون حياة “اقل” من غيرهم، الا ان الواقع الذي لا ينتبه اليه الشباب ان “غالبية” مشاهد الحياة والمطاعم والاسفار والملابس التي ينشرها مشاهير التواصل هي اعلانات مدفوعة الثمن وان جمال صورهم والاجواء العامة المعروضة قد تم تعديلها وإخراجها من قبل محترفين.

الدجاجة والبيضة

ولعل التوتّر والاحباط ليسا مرتبطين فقط بالمقارنة بحياة الآخرين، حيث ان المراهقين يصيبهم توتّر من الخوف من عدم تلقي “لايك” واعجاب على صورهم في مواقع التواصل، مما قد يعكس حالة من عدم القبول وتدني الثقة بالنفس والخوف من حكم الآخرين.

وقد اشارت دراسة «الاستبيان السنوي للتنمر 2017» الى ان 1 ــــ 5 الشباب يقومون بمسح صورهم، اذ لم تحصل على عدد كاف من الاعجاب.

وهذا ما يدع المراهقين في توتّر دائم للحصول على القبول الاجتماعي وتكوين أكبر عدد من الاصدقاء.

إلا ان عددا كبيرا من الدراسات التي حللت علاقة استخدام مواقع التواصل بالامراض النفسية والعقلية لم تستطع تحديد اتجاه العلاقة بين الاثنين كالدجاجة والبيضة، فهل استخدام مواقع التواصل بكثرة يؤدي الى الاحباط والتوتّر ام ان المراهقين المحبطين والذين يعانون من توتّر يستخدمون مواقع التواصل بشكل كبير للهروب.

وقد تكون الاجابة المثالية لهذا التساؤل هي: محاولة فهم نوعية الاستخدام فهناك الاستخدام الغير فاعل والذي يعتمد على مراقبة الصور الذي قد يزيد نسبة التوتر النفسي وهناك الاستخدام الفعال المرتبط بالتعليق والحوار مع الاخرين والذي قد يرفع نسبة الرضا الذاتي لدى الشباب لشعورهم بالاهمية.

ووجدت دراسة اكاديمية computer in human behavior نشرت في 2015 ان الصفات الشخصيات للمراهقين والشعور بالغيرة «الغبن» تجاه الاخرين مرتبطة بمدى التأثير السلبي فيهم، فهناك مراهقون يملكون صفات شخصية مثل قلة الثقة والشعور السلبي تجاه المجتمع يكونوا اكثر عرضة للاحباط والتوتّر الناجم من استخدام مواقع التواصل.

وقد يرجع سبب الاحباط من مواقع التواصل الى حالة التقييم الذاتي والمقارنة مع الآخرين والشعور بالمنافسة والتي كثير من الاحيان تكون منافسة غير عادلة مع مشاهير التواصل والفاشينستا.

نصائح.. ووصايا

نوصي بان تتم توعية وتثقيف الشباب عن الاستخدام الآمن لمواقع التواصل الاجتماعي، من خلال مواد متخصصة بالتربية الاعلامية في المدارس.

كما نوصي المشاهير والفاشينستا بنشر رسالة توعية وعنونة الصور التي تحتوي على اعلانات مدفوعة الثمن بكلمة “هذه الصورة اعلان مدفوع الثمن لشركة..”، كما يقوم كثير من المشاهير العالميين.

وعلى الأسر مسؤولية ايضا بتوعية شبابهم ومراهقيهم وغرس مفاهيم الثقة بالنفس والانتباه الى اي سلوكيات غير طبيعية من قبل ابنائهم قد تشير الى امراض نفسية.

منصّات للتعبير عن الذات

لا ننكر وجود كثير من الايجابيات لاستخدام مواقع التواصل على الشباب، اهمها التعبير عن الرأي والتعبير الذاتي، والذي من خلاله يستطيع الشباب التعبير عن انفسهم وشخصياتهم وخلق هواياتهم بعيدا عن التلقين المدرسي والضغوط الاجتماعية التي عادة ما تفرض على الشباب قيود محددة للشخصية والتوقّعات الاجتماعية العامة.

كما ان مواقع التواصل قادرة على خلق المجتمعات الالكترونية وجمع الشباب المهتمين بقضايا معيّنة مع بعض مثل مجموعات الاهتمام بالقطط والكلاب ومجموعات خاصة لفنون الغرافيك ومجموعات لهوايات مختلفة، مثل صناعة الطائرات الورقية والعاب فيديو معيّنة وغيرها، وتقوم ايضا مواقع التواصل بتمكين الشباب والتعبير عن هواياتهم المختلفة ونشرها.
كما تقوم مواقع التواصل بالتثقيف الذاتي للشباب عن قضايا عدة ومن خلال اليوتيوب خاصة يستطيع الشباب البحث عن اي موضوع يثير اهتمامهم، مما يخلق وسيلة للتثقيف والمعرفة الذاتية.

«مصح نفسي» بسبب المواقع

ذكرت مجلة التايم في مقابلة لها مع شاب ادخل مصح علاج نفسي بسبب الاحساس المفرط بالتوتر، حيث اكد انه يقوم بتقييم نفسه من خلال المقارنة مع صور زملائه في مواقع التواصل ويشعر دائما بانه اقل من الغير.

هذا، وقد نشرت ذات المجلة تقريرا مثيرا للجدل ولاقى اصداء كبيرة بعنوان «لماذا يعتبر انستغرام أسوأ تطبيق للصحة العقلية؟»، اوضح ان الموقع هو الاسوأ بعد اجراء استبيان وطني على ١٥٠٠ شاب وشابة في بريطانيا لارتباطه بالشعور بالتوتر والاحباط والتنمر والخوف من عدم الحصول على المعلومة والشعور المفرط بالحاجة للمعرفة الدائمة.

ويرجع سبب الاحباط والتوتر كما ذكرنا سلفا الى احساس المراهقين ان غيرهم يعيش حياة افضل مما يولّد لديهم شعور المقارنة السلبية والشعور والخوف من فقدان الفرصة.

عدم الكفاءة

تولد مواقع التواصل احساسا بعدم الكفاءة لشعورهم بانهم اقل من غيرهم وقد وجد باحثون ان هناك عددا من الوسائل لتحفيز الشباب وتقليل شعور الاحباط لديهم والتوتّر بسبب مواقع التواصل:

1- ارسال رسالة تنبيهية في حال تعدى الاستخدام اليومي لفترة من الزمن حتى تكون بمنزلة تذكير بان المراهق قد تعدّى الوقت الطبيعي.

2- نشر توضيح على الصور التي تعرّضت للتصحيح والفوتوشوب كاشارة بان الصور لا تعكس الواقع.

د. فاطمة السالم
عضوة هيئة التدريس في جامعة الكويت – قسم الإعلام
Comments (0)
Add Comment