الراي
أجساد صغيرة أنهكها المرض ترقد على أسرة الشفاء في المستشفى، تغفو أعينهم على أصوات الأجهزة الطبية من حولهم وتستيقظ على بياض الأغطية، حرمهم المرض الجلوس على مقاعد المدرسة بجانب زملائهم، فجاءتهم المقاعد إلى المستشفى، كفرصة أمل لولاها لضاقت بهم وبأسرهم الحياة.
أطفال في عمر الزهور، في عيونهم ألف كلمة وكلمة، عن مرض اختطف براءتهم، لكنهم أشد تمسكاً بالحياة أكثر من أي أحد آخر.
صورهم موجعة ومؤلمة بما تحمله من براءة وعفوية تعجز الحروف عن وصفها، وتبقى تفاصيلها عالقة في الأذهان فيما اللسان معقود عن البوح.
وعندما يحمل طفل لافتة كتب عليها «أتعلم رغم مرضي»، وفي عيونه الملائكية كل ما في العالم من براءة ونقاوة، يصبح هو العنوان لقصص أقرانه من الأطفال المرضى بالسرطان والذين قرروا مجابهة الألم بالقلم.
هي معركة يخوضها الطفل وأهله، يقف فيها إلى جانبهم مجموعة من المتبرعين، ورسمت خطة النصر فيها جمعية «أبي أتعلم» التي افتتحت أخيراً فصلها الدراسي بنظام مدرسة المستشفى محتضنة الأطفال المصابين بالأمراض المزمنة وأمراض السرطان في مستشفى البنك الوطني، وذلك إيمانا منها بأن تلقي العلاج الطبي وحده ليس كافياً، وإن انقطاع الطفل عن تعليمه له في نفسيته بالغ الأثر، ما دفع بعض الأطفال إلى رفض تلقي العلاج، أو عدم التجاوب معه، فجاء الفصل الدراسي كترياق لما يقارب 20 طالباً وعائلاتهم في البداية، يشرف عليهم مجموعة من المعلمين المدربين والمتطوعين الذين ساهموا بنجاح المشروع.
الفكرة الرائعة لاحتضان هؤلاء الأطفال، لمعت فكرتها أولا في مخيلة استشاري الأطفال الدكتورة مها بورسلي التي قالت إن «هذه الفكرة موجودة لدى كل طبيب أطفال، وهو يرى الطفل الذي يعالجه يوميا منقطع عن دراسته، والعلاج لا يشمل فقط الأدوية والطعام والشراب بل والتعليم أيضا، وذلك أن نفسية الطفل تتأثر وتتضرر وهو يقضي مدة لا يستهان بها على سرير الشفاء لتلقي العلاج، وينقطع عن اللعب والمدرسة والتعليم».
وأكدت بورسلي أن «هناك العديد من المشاريع التي تهتم بجوانب اللعب والمرح من أجل رفع معنويات الأطفال المرضى، لكن علينا ألا نغفل جانب التعليم»، مضيفة «لاحظت بنفسي أن انقطاع الطفل عن التعليم له تأثير سلبي على علاجه، وشهدت على أطفال عانوا من حالات اكتئاب صاحبتها صعوبة في تلقيهم للعلاج» موضحة أنه «لا يجوز أن نضع حياة الطفل على بند الانتظار إلى حين التعافي، وكأننا نقول لهم ان هناك مجرد احتمالات لأن تعود لهم هذه الحياة».
وتابعت «حرصنا على إحضار مجموعة من المعلمين الذين يتمتعون بخبرات في التعامل مع المرضى وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة، وتكاتفنا جميعا من أجل إنجاح الفكرة التي كانت تدور في مخيلة الجميع وليس مخيلتي فقط» لافتة إلى أنه «في البداية ركزنا على المرحلة الابتدائية، ومن ثم سننتقل إلى المرحلة المتوسطة، ووضعنا في الحسبان الانتقال بالتدريج للمراحل العمرية الأكبر».
ومن أجل التعرف على الجمعية أكثر وكيفية عملها، تقول رئيسة اللجنة الإعلامية الدكتورة نيبال بورسلي «لقد تطوع مجموعة من الأطباء الاستشاريين، والأساتذة التربويين والأكاديميين، وأولياء الأمور، والمهتمين، لعمل مشروع خيري تعليمي للأطفال المرضى المصابين بالأمراض المزمنة وأمراض السرطان، وقمنا بافتتاح فصل ضمن نظام مدرسة المستشفى المتخصصة لتعليم هؤلاء الأطفال، ونسعى لتأسيس جمعية نفع عام مستقلة ومعنية بتعليم الطلبة الأطفال من المصابين بالأمراض المزمنة».
وأوضحت بورسلي أن «المشروع يوفر بيئة إيجابية تتناسب مع حالة الطفل الصحية، ويفسح له المجال للإبداع، ويقوم بإعداد برنامج تأهيلي للعودة إلى المدارس الأصلية بعد انتهاء فترة العلاج، ومراعاة عدم تعريض الطفل إلى مضايقات من أقرانه، ونقوم بإعداده نفسيا للاندماج معهم في المدرسة والحياة العامة مرة أخرى».
400 ملف نشط لأطفال تحت المتابعة والعلاج
أكدت رئيسة اللجنة الإعلامية في الجمعية الدكتورة نيبال بورسلي أن «قسم أمراض دم الأطفال والسرطان في مستشفى البنك الوطني – مستشفى الصباح يتلقى سنويا 100 حالة مرضية، وأن هنالك ما يقارب 400 ملف نشط لأطفال مازالوا تحت المتابعة والعلاج تتراوح أعمارهم بين حديثي الولادة إلى سن 16 عاما، ونصفهم تحت سن العاشرة».
وأضافت بورسلي «عندما يصاب الطفل بمرض السرطان أو مرض مزمن يحرم من أبسط حقوقه وهو حق التعليم، وعندما يضطر للبقاء في المستشفى وترك مقعد الدراسة لفترات طويلة، وعند الانتهاء من رحلة العلاج يكون الطفل منهكا جسمانيا ونفسيا وعقليا، وتشكل العودة للدراسة تحدياً كبيراً له، حيث يكون المرض قد ترك أثرا في الطفل من الناحية النفسية والجسدية ما يعرضه للعزلة والإحساس بعدم الانتماء، الأمر الذي يؤثر لاحقاً على تحصيله الدراسي».