القبس
تطور السلوك العدواني في المؤسسات التربوية، من الهوشات الطلابية إلى تخريب الممتلكات، ودخلت الفتيات على الخط، بل تفوقن على أقرانهن في ظاهرة إتلاف المرافق المدرسية، في ظاهرة مؤسفة تستلزم وقفة جادة من الاختصاصيين التربويين والنفسيين، فضلاً عن تشديد المتابعة الأسرية لسلوك الأبناء، إناثاً وذكوراً.
وفيما أظهرت الاحصائيات الرسمية لوزارة التربية أن مشكلة التخريب واتلاف الممتلكات من قبل الطلبة آخذة في الارتفاع عاما بعد آخر داخل المدارس، كشفت مصادر تربوية لـ القبس أن هذه الظاهرة تهدر أموالا طائلة، حيث إن الإدارات المدرسية تصرف آلاف الدنانير سنوياً من أجل الصيانة وإصلاحات أعمال التخريب التي يرتكبها الطلبة والذين ارتكب 1700 منهم أعمال تخريب في مدارسهم.
وحذّر تربويون من انتشار هذه الظاهرة، مؤكدين أنها بمنزلة سلوك عدواني من طلبة متمردين على النظام التعليمي، معتبرين أن سلوك العبث في الممتلكات المدرسية وتخريبها من قبل بعض الطلاب ظاهرة عالمية، لم يتم التمكن من معالجتها والسيطرة عليها، برغم فرض أقسى العقوبات على مرتكبيها.
وأكدوا أن مسؤولية هذه الأعمال تقع على الأسرة والمنزل والمدرسة والمعلمين في آن معا، مبينين أن التخريب قد يكون مقصودا لذاته أو للانتقام، ويرجع ذلك إلى الكثير من الأسباب الذاتية والبيئية المتداخلة والمتشابكة، كما أن التخريب، أياً كان السبب فيه، يمثل نوعا من السلوك العدواني العنيف الذي تتسم به المرحلة المراهقة.
غياب التخطيط
وقالوا «تمتد مظاهر العبث والتخريب في الممتلكات المدرسية على طول مراحل التعليم المختلفة، لكن المرحلتين المتوسطة والثانوية هما المحطتان الأكثر بروزا لظهور التخريب حيث تلعب التغيّرات البيولوجية والنفسية والعقلية في هذه المرحلة العمرية «المراهقة» دورا مهما في تطوّره لا سيما مع ضعف أو غياب التخطيط الأسري والمدرسي والمجتمعي.
وأضافوا «يعمد طلاب مدارس إلى العبث بالممتلكات المدرسية خلال وبعد الانصراف من الدوام المدرسي، وتختلف مظاهر هذا العبث بين الشدة والضعف، ففي أبسط الحالات تتمثل بالكتابة والرسوم على الطاولات والجدران لتصل إلى أوجها بتكسير الأثاث والأدوات الكهربائية ودورات المياه ولوحات الإعلانات، إضافة إلى تخريب سيارات المعلمين وحافلات نقل الطلبة والطالبات وغيرها من الممتلكات، ما ينجم عنه إتلاف بعض الممتلكات وتحميل الدولة وزر ونفقات إصلاحها وتعديلها، فضلا عن تشويه المظهر العام للمدرسة ومقتنياتها وإظهارها بصورة غير حضارية.
إحصائية التخريب
إلى ذلك، أشارت آخر الاحصائيات التربوية إلى أن مشكلة إتلاف الممتلكات ارتفعت بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين، حيث بلغت في 2015 ــــ 2016 ما يقرب من 1395 حالة، وتزايدت في عام 2016 ــــ 2017 إلى 1706 حالات.
وأوضحت الاحصائية التي حصلت القبس عليها، أن العام الدراسي الماضي شهد 848 حالة اتلاف ممتلكات من قبل طلاب ذكور في مختلف المراحل التعليمية، في حين بلغت أعداد الحالات التي ارتكبت من قبل الطالبات 858 حالة بالمدارس.
إتلاف ممتلكات
ولفتت إلى أن أكثر المناطق التعليمية عدداً في حالات إتلاف ممتلكات الغير كانت منطقة الأحمدي التعليمية حيث بلغ عددها 453 حالة، وتليها منطقة الفروانية التعليمية بعدد 335 حالة، ثم الجهراء التعليمية بعدد 300 حالة، ومبارك الكبير 230 حالة، يليها العاصمة 200 حالة، وكانت أقل المناطق التعليمية عدداً من حالات إتلاف ممتلكات الغير منطقة حولي التعليمية حيث بلغت 188 حالة فقط.
ولفتت إلى أن عدد اتلاف ممتلكات الغير المسجلة من البنات كانت الأكثر عدداً من البنين على مستوى جميع المناطق التعليمية بزيادة 10 حالات.
من جانبه، أكد الاخصائي الاجتماعي في وزارة التربية محمد منصور أن ظاهرة اتلاف الممتلكات المدرسية طغت كثيراً في المجتمع، وبدأت تأخذ منحى الانتشار بين الأوساط الشبابية بشكل كبير، وألقت بظلالها السلبية على نفوس طلابنا وطالباتنا لا سيما انها مرتبطة بالسلوك العدواني.
وقال: إن هذه الظاهرة تتمثل في الكتابة والرسم على جدران الفصول وسور المدرسة، فضلاً عن تدمير الأدوات المدرسية، واحراق مرافق المدارس وتتعدد الأسباب والدوافع التي تدعو الطلبة للاعتداء على الممتلكات المدرسية منها الشعور بالاحباط وافتقاد الشعور بالانتماء للمجتمع المدرسي، فضلاً عن النشاط الزائد والتعثر الدراسي وعدم القدرة على التعبير.
أسباب عديدة
وبيّن أنه أهم الأسباب تتمثل في ضعف الوازع الديني ومخالطة رفقاء السوء، فضلاً عن محاكاة وتقليد مشاهد العنف التي انتشرت كثيراً في أفلام السينما وبرامج التلفزيون، موضحاً ان عدم الوعي باللوائح والنظم المدرسية والتراخي في تطبيقها يعطيان الطلبة دافعاً للقيام بهذه الأعمال.
وحمل منصور الأسرة الجانب الأكبر من المسؤولية في هذه الظاهرة لا سيما ان العديد من الطلبة الذين يقومون بمثل هذه التصرفات يعانون اهمالاً في التنشئة الاجتماعية.
ولفت إلى سبب آخر لهذه الاعتداءات هو افتقاد الشعور بالانتماء للمدرسة، وهذا ما تتحمله الادارات المدرسية بغرسه في نفوس الطلاب والطالبات ويجب ان يلقي بجزء من أسباب الظاهرة على المدرسة، في عدم تطبيق اللوائح والنظم عند اتلاف الطلبة الممتلكات، داعيا المدارس إلى الحزم في تطبيق العقوبات التربوية.
من جهته، يرى مدير إحدى المدارس أن البعض يقدم على مثل هذه الممارسات التخريبية من باب الغيرة والشعور بالتمييز ومن باب التلذّذ في إيذاء الآخرين بأسلوب غير مباشر، وقسم آخر يقوم بذلك من أجل لفت الانتباه كتعبير عن حاجة نفسية اجتماعية أو كتقليد لسلوك الأفراد.
التفكك الأسري
وتابع أنه يجب عدم إغفال عامل مهم وهو الظروف الأسرية لدى الطالب، خاصة في الأسر المتفككة التي تتضمن معاملة سيئة وإهمالاً وعدوانية في البيت وصعوبة التحدث عن المشاكل التي تخصّهم داخل الأسرة وعدم رضا الأهل عن البيئة التي يعيشون فيها وإقناعهم بأن ليس لديهم أي تأثير في سلوك أولادهم.
أما بالنسبة للعقوبات، فأوضح المدير أنها تختلف حسب نوع التخريب وحول ما إذا كان متعمدا أم لا، لافتا إلى أن هذه العقوبات تتمثل في إبلاغ الوالدين أولا، وتغريمهم ثمن الدمار أو الأذى الذي لحق بالممتلكات، ثم يتبعها في حال التكرار الفصل المؤقت عن المدرسة أو الفصل الدائم وغيرها من الإجراءات العقابية الرادعة، وهو ما يجري بالطبع بعد انتهاء الاختصاصي الاجتماعي من القيام بدوره في توعية الطلاب والتحدث معهم ومحاولة ثنيهم عن هذا السلوك.
وأكد ضرورة تعاون الأسرة مع المدرسة للحدّ من هذا السلوك، والانخراط والمشاركة في حملات التوعية التي تقام للتصدي لهذه الظاهرة.
أساليب العلاج المناسبة
حدّد باحثون اجتماعيون ونفسيون
بعض أساليب العلاج المناسبة لمواجهة
هذه الظاهرة وتتمثل في:
1 – تدريب وتشجيع الطلاب على طرح آرائهم في إطار من الحرية المسؤولة.
2 – إيجاد وسائل للتعبير عن الرأي كصندوق الاقتراحات.
3 – تنمية الشعور بالولاء والانتماء للوطن عن طريق المحافظة على مرافقه.
4 – تنمية الشعور بالانتماء للمؤسسة التربوية التي يتلقى فيها دراسته بالحفاظ على محتوياتها.
5 – تنمية الضمير الذي يرفض التخريب.
6 – تطبيق أسلوب تكلفة الاستجابة، وتحمل مسؤولية ما قام بإتلافه أو العبث به وزيادة.
7 – تنفيذ أسلوب الإرشاد بالمواقع، مثل تكليف الطلاب بالقراءة عن صيانة الممتلكات والمحافظة عليها.
8 – تنفيذ مسابقات في كثير من المجالات المتعلقة بالمشكلة، مثل مسابقة الفصل النظيف.
9 – عمل ورش مهنية يمارس فيها الطلاب هواياتهم في إصلاح بعض الممتلكات مثل إصلاح المقاعد والطاولات وغيرها.
10 – إقامة ورشة للتربية الفنية، وتشجيع الطلاب على الرسم والأشغال والكتابة وإبراز بعضها في أماكن تجميع الطلاب.
11 – الاهتمام بإيجاد ثقافة مدرسية تشجع على الانضباط وتسعى لتحقيقه.
ظاهرة سلبية
تعتبر ظاهرة اتلاف جدران المدارس من الظواهر السلبية التي لا تتسق مع معاني التربية الصالحة، وتتعارض مع مفاهيم الحس الوطني، خصوصا ان المشكلة ليست مجرد تشويه للمنظر الجمالي لأسوار المدارس، وانما تعدٍ على المال العام، يكلف ميزانية وزارة التربية أموالاً طائلة عند الصيانة.
من المسؤول؟!
ثمة سؤال يطرح نفسه، وهو من المسؤول عن ظاهرة اتلاف الممتلكات والكتابات والتشويه المتعمد داخل المدارس وعلى جدرانها؟ ومن يراقب المراهقين العابثين الذين يخطون عبارات غير لائقة اجتماعياً؟