بإلهام زوجته.. شاب مغربي ينشر التعليم بالمناطق المحرومة

أن تمتلك قدراً لا بأس به من المال يمكنك من تنفيذ مشروع صغير، لكن بعيداً عن فكرة مطعم الوجبات السريعة مضمون الربح مثلاً، وتختار مشروعك في التعليم فإن ذلك اختيار صعب ولا يستطيعه كل الناس.

هذا كان اختيار الشاب المغربي شريف حميدي مؤسس مبادرة “Education 4.0” لإعطاء فرصة التعليم للطلاب في المناطق المحرومة والمهمشة في القرى المغربية العميقة، وأيضاً للاجئين وضحايا الحروب والعنصرية في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من دول العالم.

حول سبب اختياره لهذا مجال التعليم ليؤسس مبادرته رغم عدم اختصاصه أكاديمياً، يقول حميدي “عملت فترة في بنك الاستثمار المغربي والاستشارات البنكية، لكن كان لدي منذ الصغر الشغف بقضية التعليم حيث يعمل معظم أفراد عائلتي في هذا المجال التعليم، فوالدي كان أستاذاً جامعياً، وكبرت على هذا الشغف.

ويضيف “لذلك عندما عملت في بنك الاستثمار كمحلل لسياسات الاستثمار كان معظم عملائي من المهتمين بالتعليم والراغبين في الاستثمار في مجال التعليم… وطوال هذه الفترة كانت الرغبة بإيجاد شركة شخصية في مجال التعليم لا تفارقني فكنت أطمح إلى مؤسسة تعمل على تحسين أوضاع المعلمين والأساتذة بالمغرب”.

زوجة ملهمة
كانت الفكرة تجول في خاطر شريف، لكنه لم يكن قد أمسك بطرف الخيط بعد، إلى أن التقى زوجته نايدة كارادس، وهي خبيرة في علوم التعليم، أميركية من أصل بوسني، قال عنها “نايدة لها قصة ملهمة جدا، حيث أنها عاشت ظروف الحرب رغم أنها كانت من عائلة ميسورة الحال، ابتعدت عن الدراسة بسبب هذه الحرب لمدة أربعة أعوام، وهي لديها شغف كبير للقراءة والتعليم، خاصة أنها كانت محرومة من التعليم.

ويضيف “كانت قصتها (الزوجة) ملهمة جدا لي كي أفكر في إنشاء مؤسسة( Education 4.0)، وهي شركة اجتماعية ملتزمة بدمج التكنولوجيا لإعداد شباب ليكونوا جاهزين للتعامل مع الثورة الصناعية الرابعة”.

ويشرح حميدي “نقوم بتطوير برامج وتطبيقات تكنولوجية متطورة بها ذكاء اصطناعي لتحسين المهارات المعرفية الأساسية وتحسين القدرة على الابتكار، وأيضا تدريبهم علي التعلم النقدي”.

وقال أيضاً إن مبادرته “موجهة بالأساس للطلاب الذين لا يستطيعون الحصول على فرصة تعليم جيدة في أفريقيا والشرق الأوسط وقد بدأناها في عام 2016”.

مدرسة تعليمية متحركة
مبادرة حميدي لها عدد من المشروعات في المغرب أولها هي السيارة التعليمية، أو “المدرسة المتنقلة”، ويشرح حميدي المشروع للجزيرة نت قائلا “أسافر برفقة فريقي متنقلاً عبر قرى المغرب العميق والمناطق الجبلية النائية لتوفير دورات تدريبية سريعة ومختصرة في الحساب والتربية الوطنية.

ويضيف “يهدف هذا البرنامج إلى سد الفجوات الدراسية خاصة في الرياضيات من خلال تقنيات تعليمية بسيطة وسهلة وإبداعية، خاصة أن تكلفة التعليم عالية جدا ونحن نعمل على تخفيض هذه التكلفة باستخدام التكنولوجيا.

“نذهب إلى القرى الأكثر احتياجاً، نقوم بعمل اختبارات للطلاب للتعرف على مستواهم الحقيقي، ثم نقوم بتطوير مناهجنا التعليمية لتكون متوافقة مع مستواهم التعليمي، ونعمل معهم لمدة أسبوعين، والحمد لله نجد نتائج قوية جدا”، يتابع حميدي.

ويستطرد صاحب المبادرة “وجدنا أن تلك المدرسة المتنقلة فعالة جدا، وتحدث تغييرا في حياة الطلاب. وقد ذهبنا بها إلى القرى في مناطق بمدن فاس ومكناس وصفرو في شمال شرق المغرب، وأيضا مناطق شمال المغرب، ونستعد للذهاب إلى مدينة العيون في الجنوب المغربي”.

وزاد بالقول “نفذنا هذه المشروعات أيضاً في مناطق أخرى من العالم، مثل الولايات المتحدة مع الأطفال اللاجئين والهنود الحمر، وأيضا ببعض المدن المكسيكية”.

الصبر مفتاح الأبواب المغلقة
كثيرا ما يواجه العاملون في مجال مؤسسات المجتمع المدني مشكلة التواصل مع أسر الأطفال إذ لابد لهم أن يجيبوا على سؤال الأهالي “لماذا تريدون تعليم أبنائنا؟”.

يقول حميدي تعقيباً على ذلك “في البداية نقدم هذه الخدمات بشكل مجاني تماما، وأي أب أو أم فإن طموحهم الرئيسي هو تعليم أبنائهم، وما نقوم به هو أننا نشرح لهم ما نقوم به. وعموما فإن سكان هذه المناطق يشتهرون بالكرم، ويرحبون بنا في منازلهم. عندما نشرح لهم ما نقوم به لصالح أبنائهم لا نجد منهم إلا كل ترحيب”.

“نقوم بإعداد برامج خاصة للآباء، وأيضا للمعلمين، فنحن لدينا تمارين خاصة لتعامل الآباء مع الأبناء في السوق، خاصة أن معظم هذه المناطق فلاحية وتقوم على الزراعة، ونهدف من ذلك إلى تعليمهم كيفية التحكم في إنفاق الأموال بشكل جيد، والاستثمار، والادخار أيضا، ومن ثم فنحن نعلمهم مهارات حياتية”، يواصل حميدي حديثه.

حميدي عبّر عن اعتقاده بأن أي مبادرة اجتماعية تعليمية لابد أن تكون ممزوجة بالصبر عند التعامل مع أهالي الطلاب في أي مكان حول العالم خاصة في المناطق الفقيرة والمهمشة.

مكتبة لكل مواطن
وأطلقت المبادرة مشروعا آخر اسمه “المكتبة المغربية”، ويستهدف عشر مدن مغربية من شمالها إلى جنوبها. وهي مبادرة تهدف لإشراك الشباب المغربي وتوحيدهم على هدف واحد، وتشجيع الأطفال المغاربة في المناطق النائية على القراءة عن طريق التبرع بالكتب بشكل جماعي، ودعوة الشخصيات العامة من الفنانين ولاعبي الكرة لمشاركة الأطفال في قراءة هذه الكتب.

وبدأت المبادرة أولا في تأسيس مكتبتين منذ شهر يوليو/تموز الماضي، تحتوي كل مكتبة على ثمانمئة كتاب في مناطق صفرو.

يقول حميدي “من الممكن أن يتطوع معنا أي شخص ولكن في مهام محددة، فنحن نقوم بعمل اختبارات للمتطوعين، ونقوم بتدريبهم ليكونوا قادرين على تنفيذ البيداغوجية أي الفلسفة التعليمية الخاصة بنا، ويستطيع أي شخص التواصل معنا عن طريق صفحتنا الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك”.

ترشيح لجائزة المعلم العالمية
أهلت هذه المبادرة شريف حميدي للترشح ضمن قائمة الخمسين مرشحا لجائزة المعلم العالمية لعام 2019، التي تمنحها مؤسسة فاركي لتغيير الحياة عن طريق التعليم، وجاء هذا الترشيح بعد سنتين فقط من نشاط المؤسسة.

الجائزة التي تبلغ قيمتها مليون دولار أميركيسيتم الإعلان عنها في مارس/آذار المقبل 2019 بمدينة دبي.

وخلال الأعوام السابقة كان قد نجح عدد من المعلمين العرب في الوصول إلى القائمة النهائية للجائزة، ففي عام 2016 ضمت القائمة المعلمة الفلسطينية حنان الحروب التي عملت بمنهجية الحد من العنف عن طريق التعلم باللعب، واستطاعت من خلال هذه المنهجية الحد من العنف الملاحظ على سلوكياتهم.

وفي عام 2017 ضمت القائمة المعلمة الأردنية سمر نزال، وهي متخصصة في تدريس علوم الروبوتات والفيزياء بشكل رئيسي للفتيات السوريات والفلسطينيات من اللاجئين بمدرسة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في إربد.

المصدر :
الجزيرة

#المغرب#تعليم#مبادرات#مدرسة