في سبتمبر/أيلول 2015 أعلن مرصد موجات الجاذبية بالتداخل الليزري في الولايات المتحدة المعروف باسم “ليغو” أنه رصد أمواج جاذبية ناتجة عن تصادم ثقوب سوداء في الفضاء السحيق.
تتابع بعد ذلك رصد مثل تلك الأمواج التي تعتبر مؤشرا قويا على وجود الثقوب السوداء التي لا يمكن اكتشافها إلا عن طريق جاذبيتها، لكن تاريخ تعقب هذه الأجسام الغامضة يعود إلى القرن الـ18، وكانت المرحلة الحاسمة في هذا المجال خلال الحرب العالمية الثانية.
وأفادت الكاتبة بأن أول من تطرق إلى مفهوم الجسم الذي يحبس الضوء والذي يصبح على إثره ذلك الجسم غير مرئي هما جون ميشيل وبيير سيمون لابلاس في القرن الـ18، وهما فيلسوفان مختصان في الدراسة الفلسفية للطبيعة والفضاء الكوني المادي.
وقد استخدم هذان الفيلسوفان قوانين نيوتن للجاذبية لحساب سرعة إفلات جسيمات الضوء من جسم ما، وتكهنا بوجود نجوم كثيفة لدرجة أن الضوء لا يستطيع الهروب منها، وأطلق عليها ميشيل آنذاك اسم “النجوم السوداء”.
ولكن بعد اكتشاف أن الضوء يتخذ شكل موجة سنة 1801 بات من غير الواضح كيف سيتأثر الضوء بحقل الجاذبية النيوتوني، لذلك تم التخلي عن فكرة النجوم السوداء.
واستغرق فهم كيفية عمل موجة الضوء تحت تأثير مجال الجاذبية نحو 115 سنة، مع نظرية النسبية العامة لألبرت آينشتاين سنة 1915، وبعد سنة تمكن عالم الفيزياء والفلك الألماني كارل شفارتزشيلد من التوصل إلى حل لهذه المشكلة الفيزيائية.
وأشارت الكاتبة إلى أن العلماء لم يتمكنوا من دحض هذه النظرية إلا سنة 1933عندما بين جورج لومتر أن عدم قابلية اختراق الجسم كانت مجرد وهم بالنسبة لمراقب من مسافة بعيدة.
وباستخدام التوضيح الشهير “أليس وبوب” افترض الفيزيائي أنه إذا وقف بوب ساكنا بينما تقفز أليس نحو الثقب الأسود فإن بوب سيشاهد صورة أليس تتباطأ شيئا فشيئا إلى أن تصبح جامدة بشكل كامل قبل الوصول إلى “نصف قطر شفارتزشيلد”.
كما أظهر لومتر أن أليس تكون قد اخترقت هذا الحاجز، ولكن في الحقيقة الأمر مر كل من بوب وأليس بتجربة مختلفة للحدث نفسه.
وعلى الرغم من أهمية هذه النظرية فإنه لم يكن يوجد في ذلك الوقت جسم معروف بذلك الحجم أو أي شيء شبيه بالثقب الأسود، لذلك لم يصدق أحد أن هناك شيئا مشابها للنجوم السوداء التي افترض ميشيل وجودها.
وفي الواقع، لم يجرؤ أحد على دراسة هذه الفرضية بشكل جدي حتى اندلعت الحرب العالمية الثانية.
كانت هذه الورقة الأكاديمية الثالثة والأخيرة التي نشرها أوبنهايمر في علم الفيزياء الفلكية، حيث تنبأ مع سنايدر بالانكماش المستمر للنجم تحت تأثير حقل الجاذبية الخاص به، مما يتسبب في إنشاء جسم يحتوي على قوة جذب شديدة لا يستطيع حتى الضوء اختراقها.
وكانت هذه هي النسخة الأولى من المفهوم الحديث للثقب الأسود الذي بات يعرف بأنه جسم فلكي ضخم كثيف لا يمكن اكتشافه إلا عن طريق جاذبيته.
خلال سنة 1939 كان من الصعب تصديق هذه الفكرة التي بدت غريبة للغاية آنذاك، واستغرق الأمر عقدين من الزمن حتى تم تطوير هذا المفهوم بشكل كاف ليشرع علماء الفيزياء في قبول نتائج الانكماش المستمر التي توصل إليها أوبنهايمر.
وقد لعبت الحرب العالمية الثانية دورا حاسما في تطوير هذه الفكرة، حيث عملت الحكومة الأميركية على الاستثمار في الأبحاث المتعلقة بالقنابل النووية.
وأشارت الكاتبة إلى أن السياسيين أدركوا أهمية الاستثمار في العلوم من أجل تحقيق أهدافهم العسكرية، وقد شهدت تلك الفترة سباقا واسع النطاق للاستثمار في الأبحاث الثورية المرتبطة بالحرب في مجال الفيزياء النووية وتطوير تكنولوجيات جديدة.
وقد كرس الفيزيائيون جهودهم على اختلاف اختصاصاتهم لإجراء هذه الأبحاث، مما أدى إلى إهمال مجالات علم الكون والفيزياء الفلكية، بما في ذلك ورقة أوبنهايمر البحثية.
وعلى الرغم من أن الأبحاث في مجال الفيزياء الفلكية توقفت لمدة عقد من الزمن فإن علم الفيزياء ككل شهد ازدهارا خلال الحرب، وقد ساهمت الفيزياء المستخدمة في المجال العسكري في تعزيز علم الفلك.
وانتهت الحرب بجعل الولايات المتحدة مركزا رائدا في دراسة الفيزياء الحديثة، حيث ارتفع عدد رسائل الدكتوراه بشكل صاروخي، وتم إنشاء تقليد جديد من التعليم يعرف بدراسات ما بعد الدكتوراه.
وبحلول نهاية الحرب تجددت الأبحاث المتعلقة بدراسة الكون، حيث شهدت نظرية النسبية العامة نهضة بعد أن تم الاستهانة بها من قبل، وساهمت الحرب في تغيير طريقة التعامل مع الفيزياء.
وفي نهاية المطاف أعاد العلماء التركيز على مجالات علمية مهمة مثل علم الكون ونظرية النسبية العامة، وكان هذا أمرا أساسيا لقبول فكرة الثقوب السوداء وفهمها.
بعد ذلك، أصبحت جامعة برنستون مركزا لجيل جديد من المختصين في نظرية النسبية العامة، وقد عمل عالم الفيزياء النووي جون ويلر الذي أطلق تسمية “الثقب الأسود” على نظرية النسبية العامة وأعاد تحليل ما توصل إليه أوبنهايمر.
وعلى الرغم من أنه كان متشككا في البداية فإن تأثير النسبية والتطورات الجديدة في محاكاة الحوسبة وتقنية الراديو التي تطورت خلال الحرب ساهمت في جعله فيما بعد من أعظم المتحمسين لما تنبأ به أوبنهايمر يوم اندلاع الحرب في غرة سبتمبر/أيلول 1939.