هل يوجد ما يسمى بالرسم غير المرئي بالفعل! / منيرة العبدالجادر

في البداية، سنتطرق إلى تعريف الرسم والذي هو فن مرئي يستلزم علاقة ما على سطح ما ويعتبر تصويرا للأشياء، سواء كانت ملموسة أم غير ملموسة بواسطة إحدى الأدوات، كما أنه شكل من أشكال الفنون التشكيلية، هذا ما هو متعارف عليه بين الناس، لكن هناك نوع آخر من الرسم باعتقادي، لربما يحدث مع أغلب الأشخاص الذين يقومون بتشغيل الحاسة الإبداعية المتمثلة في «الخيال»، فالخيال عملية إبداعية لابد من خلالها الإتيان بأمر جديد أو إعادة ما هو قديم بصورة مغايرة ومختلفة، هنا يمكننا تسليط الضوء على الخيال لأهمية دوره الذي يساهم في التطوير والتكييف بطريقة مبتكرة، إلا أن هذه الحاسة أو الحالة تنحصر في طريقة معينة لا يمكن الدخول إليها أو استخدامها إلا بمفتاح محدد، والسبب يرجع إلى كون الخيال مقفلا بقفل مرصع بالذهب ومن يجد المفتاح يكون قد استولى على سر ثمين لمكان جميل.

الذي لا يرى بالعين المجردة هو ما نطلق عليه غير المرئي، وليس من الممكن أن يكون الرسم غير مرئي، لذا فإن المقصود هو الرسم الذهني فعليا، الذي لا يرى بالعين المجردة حيث أدى إلى اختلاف الآراء على هذا النحو.

هناك من يقول: «ان الخيال تمرين للعقل وتنشيط وظائفه المختلفة، وهو ليس وظيفة عقلية بحد ذاتها، فهو قدرة الإنسان على التفكير بالأشياء الممكنة»، وآخر يقول: «ان الخيال هو عملية اتحاد الذكريات والخبرات السابقة والصور التي تم تكوينها في بنية جديدة، ويكون مبنيا على رغبات الإنسان أو واقعه الذي يعيش فيه لعله يحقق بذلك ابتكار المستقبل بمراجعة الماضي وتخمينات للحاضر»، إذن الخيال مرتبط فقط بالماضي أو الحاضر للأسف لم يسمع أحدا من ذي قبل عما يسمى بالخيال المباشر أو ربما كل ما يعرفه أولئك الأشخاص هو أنه إذا قص أحدهم حادثة سابقة حدثت معه وحدد أماكنها وأخذ يمثل هذه الحادثة فإن هذا الأمر يجعلهم يتخيلون أو يرسمون ما تم تمثيله أمام أعينهم في مخيلتهم، لكن هناك أشخاص يتخيلون أو يصورون الصورة الناقصة التي لا يمكنهم الوصول إليها بشكل كامل ليتمكنوا من فهم ما يدور حولهم ويستطيعون مجاراة الحدث الذي يحدث أمامهم ويكملون هذه الصورة التي تصل إليهم بشكل غير متكامل، محاكاة الواقع أمر سهل إذا كان مألوف للجميع، والغريب في هذا الموضوع أنه من المستحيل فهم ما يقال أو يشرح والذين يعيشون في هذه الحالة هم الوحيدون سيشعرون بها فقد يرونها اعتيادية، وللتوضيح، على سبيل المثال: إذا كان شخص عادي يشاهد عرضا مسرحيا فالصورة تصل إلى ذهنه متكاملة، على النقيض من ذلك الشخص الذي يحاول تخيل تعابير وجه الشخصية الممثلة الذي أدت إلى ضحك الجمهور ويضحك معهم بنفس مستوى الصوت دون معرفة مدى صحة الصورة التي رسمها في مخيلته ودون شعور من حوله بما فعل لتصله هذه الصورة، وكأنه لم يقم بأي جهد وتماشي مع الواقع الذي حدث، وإن لم يفعل ذلك فلن تصل له الصورة، حيث إنه معتاد على هذا الفعل لإجبار واقعه الذي يحتم عليه ولا يمكنه اختياره فهذه وسيلة مساعدة وسرية بالنسبة له، أما الناس فقد يرونه شخصا كامل لا ينقصه شيء، حتى الحوادث التي تحدث أمام أعينهم يقومون بتحديد درجة خطورتها من خلال الصوت الناجم عنها، مثال على ذلك: لنتصور شخصا ليس بكامل قواه العقلية، أخذ يلاحق بسيارته سيارة أخرى يقودها شخص وبجانبه آخر يعاني من ضعف نظر، بعد المطاردة، وبسرعة خاطفة يصطدم بهم.

عندها فإن قائد السيارة استطاع أن يرى الحادث بصورة واضحة أما الجالس بجانبه فقد قام بتركيب مقتطفات مما أتيحت له رؤيته، فدمج معها الصوت الذي سمعه في كل لقطة سواء إن كان شاهدها بوضوح أم لا. وكل ما سبق يتم من خلال الاستعانة بما عاشه سابقا من أحداث مرئية أو مسموعة.

هذه التجارب الواقعية التي قد تكون قاسية، فإننا حين نستخدمها في الجانب الإبداعي تكون أخف من الواقع المر، فهي فن إبداعي وتنطبق عليه تلك المقولة لسيغموند فرويد حين قال: «الأعمال الفنية لمن لا يستطيعون الخلق ولا الإبداع، ولا يقدر الناس الفن كمصدر من مصادر السعادة والعزاء في الحياة، ومع ذلك فالفن يؤثر فنيا لكن تأثيره مخدر لطيف، ونحن نلوذ إليه من شقاء الحياة، لكنه ملجأ مؤقت وتأثيره فنيا ليس بالدرجة التي تجعلنا ننسى الشقاء فعلا».

منيرة العبدالجادر

طالبة في قسم النقد والأدب المسرحي

Comments (0)
Add Comment