جريدة تعليم
توصلت الحكومة اللبنانية مع الأساتذة المتعاقدين في المدارس الرسمية، أمس (الاثنين)، إلى اتفاق مشروط من شأنه أن يعيد طلاب المدارس الرسمية إلى صفوفهم التعليمية، وذلك إثر وعود بدفع بدل النقل إلى الأساتذة، وهو ما تلقفه المعلمون الذين أعلنوا أنهم سيعودون إلى التعليم حال إصدار مرسوم في مجلس الوزراء، وسط تنامي «القلق على الوضع التربوي جراء الانهيارات المجتمعية المتتالية والأزمات»، حسب ما قال وزير التربية عباس الحلبي.
وينقسم معلمو المدارس الرسمية في لبنان إلى فئتين: فئة الموظفين في الملاك ويتقاضون رواتبهم والحوافز الأخرى التي يحصل عليها موظفو القطاع العام مثل المساعدات الاجتماعية وبدلات النقل، وفئة «المتعاقدين» الذين باتوا يشكلون أكثر من نصف قطاع التعليم الرسمي في لبنان، ويتقاضون أتعابهم لقاء ساعة العمل في المدارس من دون أي حوافز أو بدل نقل. ورفعت وزارة التربية، في وقت سابق، سعر الساعة التعليمية لهم من 20 إلى 40 ألف ليرة (دولاران أميركيان).
ولم تفتح المدارس الرسمية منذ 17 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إثر إضراب الأساتذة المتعاقدين. وهدد الاستمرار في الإضراب العام الدراسي بأكمله لطلاب المدارس الرسمية، وهو ما دفع الحكومة اللبنانية لعقد «اللقاء التشاوري الوطني لإنقاذ وتعافي قطاع التربية والتعليم العالي في لبنان» أمس.
وأكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، «إننا لا نحمل عصا سحرية لمعالجة المشكلات التربوية دفعة واحدة، لكننا بالتأكيد نملك الإرادة والعزم والتصميم على المحاولة، ونتطلع إلى تفهم الجسم التعليمي من أساتذة وإداريين لوضع الحكومة والإمكانات المحدودة وعلى صبرهم وصبر أهالي الطلاب، خصوصاً أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي نعاني منها ترافقت مع انتشار جائحة (كورونا) التي زادت من تعميق الأزمة في قطاع التربية والتعليم».
وشدد على «أن الحكومة في أول انطلاقتها عمدت إلى تثبيت العطاءات الخارجية، ثم في أول اجتماع لها بعد انقطاع دام ثلاثة أشهر بادرت إلى تقديم المساعدة المالية للمعلمين شأنهم في ذلك شأن كل موظفي القطاع العام، وسنتشاور في سبل تعزيز هذه التقديمات المؤقتة في انتظار وضع البلد والقطاع التربوي من ضمنه على سكة التعافي».
ورأى «إن المطلوب من الأساتذة والمعلمين التعاون معنا لتمرير هذه المرحلة الصعبة بأقل الأضرار وعدم رمي المطالب دفعة واحدة في وجه الحكومة والطلاب والأهالي، لا سيما أن حال الخزينة العامة لا يحتمل أي إنفاق خارج القضايا الأكثر إلحاحاً».
وعلى هامش اللقاء، التقى ميقاتي ووزير التربية عباس الحلبي ورئيسة لجنة التربية النيابية النائب بهية الحريري، وفداً من لجنة الأساتذة المتعاقدين. وقال رئيس لجنة المتعاقدين في التعليم الرسمي الأساسي حسين سعد لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك اتفاقاً تبلور بين المتعاقدين والرئيس ميقاتي والوزير الحلبي يقضي بأن «تدفع الحكومة اللبنانية بدل نقل للأساتذة المتعاقدين ضمن معايير توضع باتفاق بين لجان المتعاقدين ووزير التربية»، لقاء العودة إلى التعليم. وقال سعد: «طلب الرئيس ميقاتي من وزير التربية أن يضيف مبلغاً إلى ميزانية وزارة التربية، واتفقا على إدراج هذا البند على جلسة مجلس الوزراء المزمع عقدها اليوم»، مؤكداً أنه «حال إصدار المرسوم سنفك الإضراب». وأضاف: «إذا صدر المرسوم اليوم، سنلتحق بالمدارس الخميس».
ويبلغ عدد المتعاقدين مع المدارس والمهنيات الرسمية نحو 30 ألف أستاذ، ويشكلون أكثر من نصف الموظفين في ملاك وزارة التربية، وجرى تثبيت آخر دفعة من الأساتذة المتعاقدين ضمن ملاك وزارة التربية، في عام 2010، ولجأت بعدها المدارس الرسمية للتعاقد مع أساتذة من خارج الملاك لملء الشغور في احتياجاتها. أما آخر دفعات التثبيت في المهنيات فتمت في عام 1997، ولجأت المعاهد المهنية الرسمية للتعاقد مع الأساتذة بعد تلك المرحلة لتسيير القطاع.
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية، منحت الحكومة حوافز للمعلمين ضمن الملاك، تمثلت برفع قيمة بدل النقل اليومي من 8 آلاف إلى 64 ألفاً (نحو 3 دولارات)، فضلاً عن دفع 90 دولاراً كمساعدة اجتماعية. أما المتعاقدون، فرفعت قيمة الساعة التعليمية إلى 40 ألف ليرة. ولم يدرس أساتذة التعليم الثانوي إلا 25 يوماً منذ بدء العام الدراسي 2021 – 2022، بينما التحق معلمو التعليم الأساسي بمدارسهم لمدة شهرين، قبل أن يبدأوا إضرابهم في 17 ديسمبر (كانون الأول) ويستمر حتى هذا الوقت.
وقال سعد إن الرئيس ميقاتي طلب خلال الاجتماع أمس، إعداد دراسة حول إمكانية إجراء مباراة محصورة لتثبيت المتعاقدين في الملاك، لافتاً إلى أن هذا الأمر يتطلب وقتاً وإجراءات.
وتحدث الحلبي عن «قلق» على الوضع التربوي جراء الانهيارات المجتمعية المتتالية والأزمات، وقال: «لا أبالغ في هذا المضمار إذا قلت إن التعليم الرسمي بات في دائرة الخطر، وليس فقط العام الدراسي الذي نسعى بكل إمكاناتنا لإنقاذه، بعد عودة أساتذة الملاك في التعليم الثانوي والأساسي والمهني والتقني وقسم من المتعاقدين إلى الصفوف، لكن المقاطعة لثلاثة أشهر أحدثت فجوة خطيرة في التعليم، كما أن التعليم عن بعد في خلال العامين الماضيين لم يؤد وظيفته، لا بل إنه فشل بسبب عدم جهوزية القطاع التربوي للتعليم في أوقات الأزمات، ونظراً أيضاً لقلة الإمكانات في تلبية ما يتطلبه القطاع من أموال لتسيير شؤون المدارس ودعم المعلمين».
بدورها، قالت النائبة بهية الحريري، «إننا نمر في ظروف تربوية بالغة الصعوبة والخطورة رغم كل الجهود التي بذلت بشكل متقطع من خلال محاكاة العناوين التي تراكمت، واستجدت خلال السنوات الماضية، والتي حاولتُ والزملاء في لجنة التربية مواكبتها بما استطعنا من محاولات».