قصور الذاكرة سبب «صعوبات التعلم»

مع تزايد المشكلات التعليمية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بات مجال صعوبات التعلم واحدا من أكثر المجالات التربوية والنفسية استقطابًا للاهتمام الإنساني بكل فئاته، وتوجهاته.
ومع تقليص وانحسار دور إعمال العقل والعمليات العقلية المعرفية، وتضاؤل المدخلات ذات التأثيرات الدائمة على النمو العقلي المعرفي والتحصيل الأكاديمي، باتت الصعوبات النمائية المتمثلة في عسر «الانتباه، الإدراك، الذاكرة»، والصعوبات الأكاديمية المتمثلة في عسر القراءة والكتابة والرياضيات أكثر شيوعاً وانتشاراً، وتبايناً من حيث الدرجة والنوع والتأثير.
وبحسب دراسة أكاديمية أجرتها الباحثة النفسية في جامعة الكويت والخبيرة الاستشارية في مجال التدريب والإعاقة د. أمثال الحويلة، التي حملت عنوان «تكوين المفهوم وحل المشكلات وعلاقتهما بالذاكرة طويلة المدى»، فإن مشكلة ذوي صعوبات التعلم تحتل من حيث الحجم المكان الأول وتقدر بنحو %51 من مجموع فئات التربية الخاصة، مشددة على ضرورة توفير فصول خاصة لهم، بحيث يتم توفير بيئة تعليمية مختلفة عن فصول الأطفال الأسوياء.

أشارت الدراسة إلى أن كثيراً من ذوي صعوبات التعلم يعانون من قصور في الذاكرة، وان القصور يكمن في تنظيم بعض استراتيجيات التذكر وليس عجزاً في القدرة نفسها، منوهة بأن القصور يمكن أن يعيق عملية التعلم ويسبب صعوبة خلال مرحلة الطفولة المبكرة وسنوات المدرسة ومرحلة الشباب.
وأكدت الدراسة أن الذاكرة جزء اساسي وضروري في عملية التعلم، فهي تساعد الاطفال على الاستفادة من الخبرات السابقة والحالية والانتفاع بها، لافتة إلى أن التحصيل الأكاديمي لدى صعوبات التعلم من الاطفال والبالغين يتأثر بمستوى فاعلية وكفاءة الذاكرة لديهم.

نتائج البحث
وتكونت عينة الدراسة من 300 طفل وطفلة، بواقع 150من مشتتي الانتباه ذوي صعوبات التعلم و150 من الأسوياء، اختيروا من مدارس مناطق العاصمة والفروانية وحولي والجهراء، وطُبق عليهم مقياس صعوبات التعلم وتشتت الانتباه ومقياس حل المشكلات وتكوين المفهوم والذاكرة طويلة المدى.
وأسفرت نتائج البحث عن ارتباط موجب دال إحصائياً بين الذاكرة الطويلة المدى وكل من حل المشاكل وتكوين المفهوم لدى الأطفال مشتتي الانتباه ذوي صعوبات التعلم والأسوياء، كما لُوحظت فروق ذات دلالة إحصائية بين متوسط درجات الأطفال مشتتي الانتباه ذوي صعوبات التعلم ومتوسط درجات الأطفال الأسوياء في حل المشاكل وتكوين المفهوم والذاكرة الطويلة المدى في اتجاه الأسوياء.
وألمحت الدراسة إلى أن البؤرة الرئيسية لمشاكل ذوي صعوبات التعلم تتمثل في محدودية سعة الذاكرة القصيرة المدى، والتي تشكل عقبة صلبة تقف خلف معظم اضطرابات العمليات المعرفة لديهم، ومن ثم فالأفراد الذين لديهم اضطرابات في قدرات الذاكرة أو عملياتها مثل ذوي صعوبات التعلم يكون من المتوقع بالنسبة لهم أن يجدوا صعوبات في عدد من الأنشطة الأكاديمية والمعرفية على اختلاف أنواعها، مضيفة «إن معرفة وتشخيص وعلاج اضطرابات الذاكرة لدى ذوي صعوبات التعلم تمثل أهدافا تربوية مهمة تسعى إلى تحقيقها كل الأنظمة التربوية».

المنهج الوصفي
ووجدت الباحثة في دراستها التي استندت إلى المنهج الوصفي الارتباطي المقارن أن صعوبات التعلم الدراسية من حيث النشأة تنبع من اضطرابات في العمليات العقلية أو النفسية (الانتباه، الإدراك، تكوين المفهوم، التذكر، حل المشكلة، والذاكرة) والتي تعد بدورها دالة لنشاط الجهاز العصبي، وتعد درجة كفاءتها دليلاً على مستوى نضجه، كما أن مثل تلك الصعوبات تتأثر بالمشاكل الصحية والاجتماعية والنفسية.
وحذّرت الدراسة من أن خطورة مشكلة صعوبات التعلم تكمن في انتشارها لدى قطاع عريض من الأطفال الذين يتمتعون بمستوى عادي – وقد يكون مرتفعاً – من حيث القدرات والإمكانات الجسمية والحسية والعقلية، إلا أن معدل «إنتاجيتهم التحصيلية» يكون أقل من ذلك بكثير، وهو ما قد يؤدي بغير المتخصصين إلى تفسير هذه الصعوبات على نحو خطأ بأنها مظهر من مظاهر تدني الاستعدادات العقلية أو الخلط بينها وبين التأخر الدراسي، وذلك من دون اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتشخيص الدقيق للمشكلة وانتهاج الاستراتيجية العلاجية المناسبة.

التبادل الوظيفي
ولاحظت الدراسة أن ذوي صعوبات التعلم أقل قدرة على تفعيل التبادل الوظيفي بين المعرفة التقريرية التي تتناول الحقائق والقواعد والمبادئ والنظريات، والمعرفة الإجرائية التي يتناول وصف الإجراءات وخطوات تنفيذ القيام بالمهام المختلفة، كما أنهم أقل قدرة على تحويل المعرفة الإجرائية إلى معرفة تقريرية.
وأرجعت الباحثة ضعف أداء ذوي صعوبات التعلم للمهام التي تتطلب التكامل بين المعني إلى ضآلة شبكه ترابطات المعاني داخل الذاكرة طويلة المدى، فضلاً عن افتقار الذاكرة طويلة المدى لديهم إلى الترابط والتمايز والتنظيم والتكامل، ما يؤدى إلى صعوبة إحداث تكاملات منطقية أو علمية بين وحدات المعاني المختزنة فيها.
واستندت الباحثة إلى دراسات تناولت حل المشكلات لدى التلاميذ مشتتي الانتباه ذوي صعوبات التعلم والأسوياء، التي اثبتت أن «صعوبات تعلم الرياضيات» يعانون من قصور في استراتيجيات حل المشكلات الرياضية وليس من قصور في القدرات العقلية المساهمة في تحصيل الرياضيات.
ووجدت الدراسة أن الطلاب ذوي صعوبات التعلم لديهم قوة في حل المشكلات ولا يعانون من ضعف في تلك المهارة وأن حل المشكلات لديهم يرتبط ارتباطا موجبا دالا على نمط التفكير لديهم.
وأشارت الدراسة إلى أن الأطفال متبايني الأداء في اختيار التحصيل لم يختلفوا عن الأطفال العاديين أكاديمياً في البعد المعرفي، بينما الأطفال ذوي صعوبات التعلم كان لديهم قصور معرفي، مبينة أنه برغم أن مساعدة التلاميذ ذوي صعوبات التعلم كان لها تأثير على فهمهم وتكوين المفهوم، فإن التعبير الكتابي لم يتحسن، فمازال التلاميذ يواجهون صعوبة في إنتاج كتابة تعبيرية واضحة ومتماسكة.

برامج علاجية
وتوصلت نتائج البحث إلى فروق دالة إحصائياً في التذكر القصير والطويل المدى بين الكلمة المكتوبة والكلمة المسموعة لدى العاديين لمصلحة الكلمة المكتوبة.
وأوضحت الدراسة أن قدرة الأطفال ذوي صعوبات التعلم في حل المشكلة أقل من قدرة الأطفال الأسوياء، حيث إن الأطفال ذوي صعوبات التعلم لديهم مشكلات في تفسير المشكلة وصعوبة في استرجاع المعلومات من الذاكرة، وبالتالي يجدون صعوبة كبيرة في وضع خطة للحل، ما يؤدي ذلك إلى ضعف في القدرة لديهم على حل المشكلة مقارنة بأقرانهم الأسوياء.
وبيّنت الدراسة أن الأطفال ذوي صعوبات التعلم لديهم صعوبة في معرفة أوجه الشبة والاختلاف بين الأشياء والأشخاص والمواقف وعجز في تحديد العوامل المشتركة بين الأشياء والأشخاص.
وأوصت الدراسة بوضع خطة تربوية وعلاجية يتم تطبيقها في المدارس المختلفة للتعامل مع الحالات المختلفة من الأطفال ذوي صعوبات التعلم، فضلاً عن عمل برامج علاجية لهذه الفئة والاهتمام بها.

نقص الدراسات.. وإهدار الطاقات

انتقدت الباحثة نقص الدراسات العربية التي تناولت تكوين المفهوم وحل المشاكل وعلاقتهما بالذاكرة الطويلة المدى لدى هذه الفئة، مشيرة إلى معاناة الأطفال ذوي صعوبات التعلم من مشاكل مدرسية وأسرية وسلوكية ونفسية بالقدر الذي يؤدي إلى إهدار الطاقات التي توجه من أجل عملية التعليم والتعلم.

الاضطرابات المعرفية

سلّطت الباحثة الضوء على أهمية الكشف عن الاضطرابات المعرفية والأكاديمية التي يعانيها ذوو صعوبات التعلم، مما يسهم في إعداد البرامج العلاجية الناجحة، وفي إعادة توظيف قدرات هؤلاء الأطفال، وكذلك في حل كثير من المشاكل التي يتعرض إليها هؤلاء الأطفال.

التدخل العلاجي

لفتت الدراسة إلى أن فعاليات التدخل العلاجي تتضاءل إلى حد كبير مع تأخر الكشف عن ذوي صعوبات التعلم، مما يؤثر على الطفل نفسياً واجتماعياً وأكاديمياً، موضحة الاحتياج الملح لتحديد العمليات المعرفية اللازم تضمينها في الأنشطة والمهام التعليمية التي تقدم لهؤلاء الأطفال.

مسح شامل

دعت الدراسة إلى ضرورة عمل مسح شامل للمدارس لحصر أعداد الأطفال ذوي صعوبات التعلم، حيث إنه توجد أعداد كبيرة منهم لا يلقون أي رعاية تأهيلية أو علاجية سواء من قبل المنزل أو المدرسة.

لقاءات للاختصاصيين

حثت الباحثة على أهمية عقد لقاءات بين الآباء والمعالجين المتخصصين والاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين حتى يتم التنسيق بينهم لمساعدة الأطفال ذوي صعوبات التعلم.

قد يعجبك ايضا