أكاديميون: «التقاعد المبكر».. باطنه العذاب!
في موازاة موافقة مجلس الأمة مؤخراً على قانون التقاعد المبكر الاختياري، وتفاؤل بعض الموظفين بالاستفادة منه، حذّر أكاديميون من الآثار السلبية للقانون على مستوى مؤسسات الدولة والأفراد.
وأضاف عدد من الأساتذة أن إقرار «التقاعد المبكر»، الذي يعتبره النواب «انجازاً تاريخياً»، هو في حقيقة الأمر إخفاق وفشل ذريع لهم، إذ ينطبق عليه القول «ظاهره الرحمة وباطنه العذاب»، فهو قد يكون لامعاً من الخارج لكنَّ هناك بنوداً تجعل هذا القانون خاوياً ومدمراً من الداخل وفيه ضرر كبير على الموظفين الذين سيؤثر فيهم القانون.
وذكروا أن من أمثلة الضرر أن القانون الجديد يخلق شواغر إدارية ويرهق اقتصاد البلاد، ناهيك عن تبعات سلبية ستنال من الصحة النفسية والجسدية للفرد.
شدد أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم الادارية د. نايف الشمري على أن قانون التقاعد المبكر يزيد العبء على الموازنة العامة للدولة، مبيناً أن هدف القانون غير واضح سواء أكان اجتماعياً أم اقتصادياً أم غير ذلك، وأن مؤسسات الدولة ستخسر طاقة من فئات عمرية قادرة على العمل والإنتاج.
وأضاف الشمري أن الموظف في كثير من القطاعات الحكومية والخاصة يحتاج 15 سنة في مرحلة الإعداد والخبرة ليصبح في منصب قيادي أو إشرافي، وأن الأنظمة التقاعدية في الدول المتقدمة تضع أعماراً كبيرة للموظفين.
وبيّن أن سوق العمل تحتاج إلى الانتفاع من إنتاجية العاملين، لكن القانون الجديد سيفقد المؤسسات الموظفين أصحاب الإنتاجية ويستبدل بهم حديثي التخرج الذين يحتاجون إلى التدريب والتعليم، لافتاً إلى أنه «لا يمكن القضاء على البطالة بتلك الصورة الهزلية التي لم تتبعها أي دولة أخرى».
وأكد أن البطالة يتم القضاء عليها بتنويع الاقتصاد وخلق وظائف جديدة في قطاعات مختلفة، والتشجيع على الإنتاجية، وعلينا أن نتوقف عن الحلول الترقيعية للمشاكل الاقتصادية.
رؤية 2035
من جانبه، أشار أستاذ المحاسبة د.وائل الراشد الى وظائف تحتاجها قطاعات الدولة لا ينبغي خفض سن تقاعد موظفيها، بينما يمكن تطبيق القانون في الوظائف الإدارية فحسب، إضافة إلى شمول النساء بذلك القانون في مختلف القطاعات.
وأوضح الراشد أن رؤية 2035 تشدد على تنويع مصادر الدخل ودفع العمال للعمل في «الخاص»، ويمكن للمتقاعدين مبكراً البحث عن أعمال خاصة، لكن ذلك يؤثر في ميزانية الدولة ما لم يتم تعويض الخزانة بوضع المبالغ بناء على الرواتب الأساسية من دون علاوات أو بدلات.
مثالب قانونية
بدوره، أكد أستاذ القانون الدستوري والمالي في كلية الحقوق د.إبراهيم الحمود أن لـ«التقاعد المبكر» تأثير خطير على الميزانية العامة للدولة، حيث ستصرف معاشات تقاعدية وتدفع رواتب لتوظيف أفراد جدد عوضاً عن المتقاعدين.
وأوضح الحمود أن القانون يكرس البطالة داخل المجتمع، ويحّول الأفراد إلى متقاعدين لا يدعمون الإنتاج، ويحرم الدولة من قدرات أفراد قادرين على العطاء، مشيراً إلى مثالب للقانون تتمثل في حق العمل والوظيفة العامة والمساهمة في الإنتاج، الأمر الذي يؤثر في أموال الأجيال القادمة.
وأضاف أن القانون غير مجدٍ ولا يتوافق مع النصوص الدستورية التي تؤكد المقومات الأساسية للمجتمع، حيث يتحمل الموظفون الحاليون المعاشات التقاعدية، مما يعتبر توظيفاً لا يتسق مع التضامن والعدالة الاجتماعية المنصوص عليهما في الدستور.
اكتئاب وعزلة
من جانبها، أوضحت أستاذة علم النفس بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي د.لولوة الجاسر أن الآثار النفسية المترتبة على اتخاذ الفرد قرار التقاعد تعتمد على نمط الشخصية، فقد يشعر المتقاعد بالاكتئاب كونه فرداً غير مجدٍ لا سيما إن كان محباً لعمله واضطر للتقاعد، في حين سيشعر آخرون بالخوف من استقطاع رواتبهم التقاعدية، لا سيما الذين يعتمدون على عملهم كمصدر مادي.
وبينت الجاسر أن التقاعد سلاح ذو حدين له آثار سلبية وإيجابية، فإذا كان العمل مصدراً للضغوط النفسية ويحرِّض الفرد على اللجوء إلى حيل نفسية كالإزاحة وتفريغ الغضب في أسرته ومحيطه، فإن التقاعد سيخفض القلق والإرهاق ويكون قراراً صائباً آنذاك، بينما قد يشعر بعض الأفراد بأنه تقليل من مكانتهم الاجتماعية، لا سيما إذا كان يشغل منصباً رفيعاً مما ينعكس على تقديرهم الذاتي.
من ناحيتها، قالت أستاذة العلاج الطبيعي بكلية الطب المساعد د.نوال الصايغ إن كثيراً من المتقاعدين بلا خطط لتنفيذها بعد التقاعد، حيث يمكثون في منازلهم لفترات طويلة ومعروف أن قلة الحركة تؤثر سلباً في الجسد وقد تؤدي إلى أمراض كثيرة ومشاكل بدنية. وشددت الصايغ على أهمية توفير روتين يومي لهم ليستمر نشاط الجسم والعقل للمحافظة على صحة المتقاعد وتجنُّب أسباب التوتر.
شواغر إدارية
بدوره، ذكر أستاذ الإدارة د. نواف العبدالجادر أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا رفعت سن التقاعد، بينما نجد بلادنا تناقش خفضه، مبيناً أن سن التقاعد الحالي بين الأقل في العالم، وأن التقاعد المبكر يخلق شواغر إدارية ولا يخلق فرص عمل جديدة كما يعتقد البعض.
وأضاف العبدالجادر أن التقاعد المبكر يضر بالقطاع الخاص ويجعل الموظفين يتجهون إلى «الحكومي» للاستفادة من القانون، وذلك على عكس أي توجُّه إصلاحي، وقال إن البلاد دفعت أموالاً كثيرة للموظفين، وينبغي أن يسهم هؤلاء في التنمية، بينما يتسبب القانون في حرمان المؤسسات من الكفاءات.
الإقامة بالخارج
بعض المتقاعدين اختاروا العيش في عدد من دول شرق آسيا لمدة تتجاوز 10 أشهر خلال العام ويعودون للبلاد في حال تطلب الامر انهاء بعض الاجراءات.
أعمال حرة
اتجه العديد من المتقاعدين الى الاعمال الحرة لملء اوقات فراغهم وكسب رأس مال يساعدهم على المعيشة.
مهن وحرف
امتهن بعض المتقاعدين العديد من الحرف داخل المنزل، منها المساعدة والإشراف في طهي الطعام، وتنسيق حديقة المنزل، وغسيل خزانات المياه وإجراء العديد من الاصلاحات المنزلية.
القبس