ما هي حوسبة الحمض النووي وما مستقبلها؟
يحرز العلماء تقدما ثابتا في مجال حوسبة الحمض النووي، لكن ما هي عملية حوسبة الحمض النووي وكيف تُجرى؟
قال الكاتب جون لوفلر في تقريره الذي نشره موقع “إنترستنغ إنجينيرنغ” الأميركي، إن المهندسين خلال العقد الماضي واجهوا في مجال الفيزياء الواقع القاسي أثناء سعيهم للحصول على حواسيب أكثر قوة وفعالية، حيث تبيّن لهم أنه لا يمكن “جعل الترانزستورات” -وهي المفاتيح التي تعمل على تشغيل وحدة المعالجة المركزية للحاسوب- أصغر مما هي عليه حاليا.
وفي حين تحظى الحوسبة الكمية بالكثير من الاهتمام مؤخرا، فإن فاعلية حوسبة الحمض النووي قادرة على أن تضاهي أو حتى تتجاوز الحوسبة الكمية، نظرا لأنها لا تمتلك القيود التي تحول دون استقرار الحاسوب على غرار تلك الموجودة في الحوسبة الكمية. ولكن التحدي الذي يواجه حوسبة الحمض النووي يتمثل في أن هذه العملية بطيئة للغاية مقارنة بالحوسبة الكلاسيكية.
ومن أجل فهم ماهية حوسبة الحمض النووي، نحتاج كخطوة أولى للتوقف عن الاعتقاد أنها نوع من البديل لاستخدامنا العادي واليومي للحاسوب، ومن المؤكد أننا لن نتمكن من الاستمتاع بالألعاب بفضل حوسبة الحمض النووي في أي وقت قريب؛ لكنها في المقابل تعد الحل للمشكلات التي يعجز الحاسوب التقليدي عن حلها.
مايكروسوفت وفريق باحثين من جامعة واشنطن نجحوا مؤخرا في تجربة تحويل معلومات رقمية إلى حمض نووي وعكس تلك العملية (مايكروسوفت) |
مسألة “البائع المتجول”
يقوم نص مسألة البائع المتجول على التالي: تملك شركة بائعا يتوجب عليه زيارة عدد معين من المدن، حيث يمكنه زيارة كل مدينة مرة واحدة فقط. ما تسلسل المدن التي يزورها مرورا بالمسار الأقصر والأقل سعرا؟
فكلما ارتفع عدد المدن في السؤال، ازداد الوقت الذي يستغرقه الحاسوب لإيجاد حل، وبشكل كبير. فعلى سبيل المثال إذا حاول الحاسوب التقليدي العثور على أقصر طريق بين خمس مدن فإنه سيجد الجواب بسهولة، لكن إذا كان هذا الرقم خمسمئة مدينة، فإن الوصول إلى حل سيستغرق منه دهورا.
كيف تحل حوسبة الحمض النووي هذه المسألة؟
أثبت أدليمان أنه يمكن تجميع الحمض النووي بطريقة يمكن فيها لجزيئات من الحمض النووي في أنبوب اختبار تجميع نفسها لتشفير جميع المسارات المحتملة في مشكلة البائع المتجول في الوقت ذاته.
بالنسبة للحمض النووي، يُمثَّل التشفير الجيني بواسطة أربعة جزيئات مختلفة (أي، سي، تي، جي). ويمكن لهذه “البتات” الأربعة أن تخزن كمية هائلة من البيانات عند ربطها معا. بعد كل شيء، يتم تشفير الجينوم البشري حيث يمكن تجميعه في نواة واحدة من الخلية.
أثناء خلط هذه الجزيئات الأربعة في أنبوب اختبار، جمّعت الجزيئات نفسها بشكل طبيعي في شكل خيوط حمض نووي. فلنفترض أن مزيجا من هذه الجزيئات يمثّل مدينة ومسار طيران، بالتالي فإن كل خيط من الحمض النووي يشكّل مسار طيران مختلفا بالنسبة للبائع، وتُحسب جميع هذه المسارات دفعة واحدة من خلال التوليف بين خيوط الحمض النووي التي تجمع نفسها بالتوازي.
في مرحلة موالية، يعتمد الأمر ببساطة على تصفية المسارات الأطول، ليتبقى في نهاية المطاف فقط المسار الأقصر. وقد بيّن الباحث أدليمان في ورقته البحثية كيف يمكن القيام بذلك باستخدام سبع مدن، حيث يتم حل المشكلة بمجرد تجمّع خيوط الحمض النووي.
حاسوب دي ويف الكمي التابع لوكالة ناسا الأميركية (رويترز) |
ما مزايا حوسبة الحمض النووي؟
إن الأفضلية الرئيسية التي تتميز بها حوسبة الحمض النووي على حساب الحوسبة التقليدية وحتى الحوسبة الكمية -إلى حد ما- تتمثل في إمكانية إجراء حسابات غير متناهية في آن واحد.
ومن الممكن حشر أكثر من عشرة تريليونات من جزيئات الحمض النووي في سنتيمتر مكعب واحد. ومن الناحية النظرية، يعد هذا السنتيمتر المكعب قادرا على إجراء عشرة تريليونات عملية حسابية في آن واحد، إلى جانب احتواء ما يصل إلى عشرة تيرابايتات من البيانات.
وفي الواقع، تعتبر حوسبة الحمض النووي عنصرا مكملا للحوسبة الكمية، نظرا للارتفاع الهائل للقدرة الحسابية التي يأمل الجميع في تحقيقها حين تقترن كلتا العمليتين سويا.
حواسيب الحمض النووي
بعد مرور وقت قصير على نشر أدليمان ورقته البحثية، تمكن الباحثون من بناء بوابات منطقية من الحمض النووي، وهي أجزاء من دائرة مبنية من الترانزستورات الفردية القادرة على استخلاص معادلات معقدة من التيار الكهربائي.
وخلال هذا الشهر، قام علماء الحاسوب في جامعة كاليفورنيا دافيس ومعهد كاليفورنيا للتقنية بتجميع جزيئات الحمض النووي القادرة على التجميع الذاتي في هياكل، من خلال تشغيل برنامجهم الأساسي باستخدام مدخلات مكونة من ستة بتات.
تعتبر المواد اللازمة لتوليف جزيئات الحمض النووي منخفضة الثمن ومتوفرة بسهولة، كما أنها تظلّ مستقرة في درجة حرارة الغرفة وخارجها. وتمثل الإنجازات التي من شأن حوسبة الحمض النووي أن تحققها -باعتبار مرونة الحمض النووي وقدرته على تحقيق التوازي البيولوجي- خطوة أساسية في مستقبل الحوسبة.