مع إقتراب الإمتحانات :إنتشار وسائل للغش عبر مواقع التواصل الغجتماعي
تُروِّج حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي إعلانات لبيع أدوات وأجهزة تُستخدم للمساعدة في الغش الدراسي، تزامناً مع دخول فترة الاختبارات الفصلية لمؤسسات التعليم الأساسية أو الجامعية.
ومن الصرعات الحديثة في وسائل التكنلوجيا الحديثة، ما تخفيه محفظة النقود «البوك» او ريموت السيارة الألمانية، بداخلهما من شريحة سماعات مخفيّة تستخدم في الغش، ويقدّم آخرون سماعات «تفصال مع القميص او الدشداشة» للراغبين فيها.
وبينما اتخذت المدارس والجامعات احتياطاتها لمنع الغش، وشدّدت على اغلاق هواتف الطلبة وعدم ارتداء الساعات أو استخدام الآلات الحاسبة الذكية أثناء الاختبارات، يحرِّض أصحاب الحسابات الترويجية طلبة المدارس والجامعات على استخدام بعض الأدوات، التي قد تبدو من المتعلّقات الشخصية، وتساعدهم على إخفاء جهاز السماعات.
القبس تواصلت مع صاحب أحد الحسابات التي تروِّج لأدوات الغش، لتسأله عن أكثر الأدوات مبيعاً، فقال إن «الهبّة» الجديدة هي عمل السماعة «تفصال»، حيث يرسل صاحب الحساب مندوباً للطالب أو الطالبة، ليتسلّم الملابس المراد تركيب السماعات فيها، ويجري إخفاء أسلاكها الرقيقة في قطعة الملابس أو حجاب الطالبات، ومن ثم يجري إرجاعها إلى الطالب أو الطالبة.
يؤكد صاحب أحد الحسابات المروجة لأدوات الغش أن لديه سماعات لا تُكشف أثناء التفتيش، إذ تكون مغطاة بالبلاستيك الذي لا يمكن أن يعثر عليه كاشف المعادن، مبيناً أنه خلال يومين يمكن إرسال الملابس ذات السماعة، وأن سعر الأداة يتضاعف في هذه الحالة، ليصل إلى 130 دينارا، يدفع الطالب نصف المبلغ عربوناً عند تسليم الملابس للمندوب.
أما استخدام المحفظة الرجالية (البوك) وجهاز ريموت السيارة في الغش، فقد جاء لرفض كثيرين ترك متعلّقاتهم الشخصية خارج اللجان، وإن جرى تسليم الهواتف النقالة و«الراوتر»، كما لا يتخيّل القائمون على لجان الاختبارات إخفاء أجهزة السماعات بهذه الطرق، ولم يتوقف الأمر عند التفكير في طرق مؤذية لنشر الغش بين الطلبة داخل البلاد، فقد أوضحت بعض الحسابات أنها تصدّر هذه الأدوات للدول المجاورة.
هاجس الغش
وقال أستاذ اللغة العربية بمركز اللغات د.بندر الخالدي: إن الغش مشكلة يعاني منها أساتذة الجامعة والمعلمون في المدارس، وتزايد الظاهرة أصبح هاجساً في كل الاختبارات، حيث يعلم الأستاذ الجامعي بحالات للغش في اللجنة، ويفكر في كيفية القضاء عليها، ولذلك يستعين كثير من الأساتذة بعدد أكبر من المراقبين، خاصة في القاعات ذات الكثافة الكبيرة، كما يعدّد نماذج الاختبار.
وأضاف الخالدي: إن بعض الطلبة من ذوي المستويات المتوسطة والضعيفة يعتقدون أن الغش حق مكتسب، في حين لا يلجأ الطالب المتميز لأساليب الغش، مبيناً أن وسائل الغش تتعدّد بسبب الوسائل التكنولوجية؛ كالسماعة والساعات والأقلام. لذا، نحرص على جمع الهواتف أثناء الاختبارات، مشدداً على ضرورة تعاون وزارتي التجارة والتربية والمؤسسات التعليمية لمنع انتشار هذه الوسائل.
وأوضح أن القضاء على الغش يكون بتشديد العقوبة وتنفيذ القانون على من يعتقد أن الغشَّ حقٌّ مكتسب، مبيناً أن العقوبات في الجامعة لا تُطبَّق بشكل كبير، وقد حصل وان ضُبط أحد الطلبة وجرى العفو عنه، أو يكتفي المراقب بسحب الورقة، لكن إن عُوقب بالرسوب في المقرر فسيعمل ذلك على ردعه، مبيناً أن بعض الطلبة في المدارس توضع أختام على أوراق اختباراتهم بسبب الغش، ولا تجري معاقبتهم.
ثقافة المجتمع
بدورها، أيَّدت أستاذة البيولوجيا بكلية العلوم د.أحلام بوعركي تطبيق قانون الغش، الذي تنص عليه لوائح الجامعة؛ إذ إن الطلبة على علم بالعقوبات، كما أن هذه القوانين مدوّنة في كتاب يجري توزيعه على الطلبة وقت قبولهم في جامعة الكويت، مشددة على أهمية وضع قوانين صارمة وتطبيقها كما هو منصوص عليه في الجامعة، لاتّعاظ الطلبة ومنع هذه الظاهرة.
وأضافت بوعركي: إن المشكلة الأساسية ليست في العقوبات، إنما في تغيير ثقافة المجتمع ونظرته عن الغش، حيث إن كثيراً من أفراد المجتمع في الوقت الحالي يعتقدون أن الغش مساعدة ولا ضرر فيه، طالما أنه في مصلحتهم، ويساعدهم على نيل درجات عالية، ومن ثم التخرّج بالمعدل المطلوب والحصول على الوظيفة المنشودة من دون مجهود أو تعب.
ولفتت بوعركي إلى وقوع ظلم كبير عندما يتساوى الطالب المجتهد والطالب الغشاش، مبينة أن الظلم أثره كبير في بنية المجتمع ومستقبل الدولة وانتاجيتها، لكن عندما يرفض المجتمع هذه الظاهرة ولا يجمّلها بمسميات أخرى، فإنه يسهم بتربية جيل يرفض هذه الظاهرة.
طرق الغش
بدوره، قال أستاذ علم الاجتماع بكلية العلوم الاجتماعية د.حمد العسلاوي إن من ينشأ على هذا السلوك السلبي المُحرّم بالدين، والذي يعكس تدنّي الأخلاق، يُصبح لديه الغش عادة مقبولة يمارسها في شتى المجالات؛ فيغشّ في تجارته، ويغش الصاحب باستغلاله، ويغش شريكة حياته بخيانتها، ويغش في العمل بالتسرّب وعدم أداء الواجب بالشكل المناسب، ملمّحاً إلى ان الغش في الصغر تلاعب في الكبر.
وأضاف: إن تزايد هؤلاء الأشخاص من دون حساب وتدخّل علاجي يؤدي إلى تآكل المُجتمع ويغلّب عليه طابع الفساد، وتنحدر فيه الاعتبارات الدينية والأخلاقية ويُصبح الصالحون المجتهدون أقلية مظلومة، تُهضم حقوقهم، وتقديرهم من قِبل الأفراد الذين تعلموا منذ الصغر ان يحصلوا على مرادهم بالطرق الملتوية.
وبيّن أن الغش لا يتوقّف على فصل ودرجة، بل على تقرير مصير أمة؛ فالأمة التي تفسد مؤسساتها التعليمية وتتغاضى عن الغش بسبب اعتبارات كثيرة؛ كالمحسوبية، والواسطة، سينخر هذا الفساد جميع مُؤسسات الدولة، لأنها ستُقام وتُدار وتُقاد من قِبل الغشاشين.
وأشار العسلاوي إلى أنه قد صادف كثيراً من حالات الغش التي يستخدم فيها الطلبة طرقاً مختلفاً، فهناك القصاصات الورقية الصغيرة، والكتابة على اليد والملابس والأحذية والحائط والطاولة، واستخدام سماعات الهاتف وغيرها، مبيناً أنه كان يلجأ الى الحل الودي السلمي من دون رفع الموضوع الى العميد «لإيماني بأن الإنسان يستحق فرصة ثانية في هذه الحياة».
وبيّن العسلاوي أن العقوبات يجب أن تطبَّق بالتدريج، مشيراً إلى ضرورة استخدام أفضل السبل الملائمة لإصلاح سلوك الطالب أولاً قبل معاقبته، فيعطى الطالب درساً أخلاقياً للتوعية بسوء فعلته، ويتعهّد بعدم تكرار السلوك، لافتاً إلى أن العقوبة تأتي أحياناً بنتائج عكسية في هدر الطاقات الشابة وتسرّبها من دون توجيه واصلاح، لكن عند التدرّج في العقاب، بدءاً بالنصح والإرشاد والاحتواء، يزيد احترامهم ويجعلهم يبذلون قصارى جهدهم في إبهارنا.
بعض أولياء الأمور شركاء
استذكر د.بندر الخالدي فترة عمله في مدارس التعليم العام، قائلاً: كنت معلماً في إحدى المدارس لمدة 13 عاماً، وكنا نرى بعض رؤساء اللجان الذين يساعدون الطلبة على الغش، بل يتضايق بعض المسؤولين إذا جرى التشديد على رقابة الطلبة، لأن رفع النسب في الثانوية يعتبر مؤشِّراً إيجابياً للمدارس، إضافة إلى الواسطة لتسهيل الغش على بعض الطلبة.
وشدّد على أن المحاسبة يجب أن تطول المعلمين الذين يساعدون الطلبة على الغش، لافتاً إلى أن بعض أولياء الأمور والأمهات يتواصلون مع أبنائهم عبر السماعات أو يجري تصوير الاختبار لإرسال الإجابات، الأمر الذي يجعل التربية غير الصحيحة سبباً رئيساً في انتشار الغش.
مكاتب في مصر تقدِّم خدماتها للدارسين: 750 دولاراً لإنهاء محضر غشّ الطالب الكويتي
برزت مكاتب تتعاون مع محامين تعد الطلبة الكويتيين الدارسين بمصر بإنهاء محاضر الغش التي قد حصلوا عليها مقابل مبلغ مالي.
وتواصلت القبس مع أحد المكاتب، فأكد موظفه أنهم يقدمون خدمات كثيرة للطلبة؛ كعمل البحوث وإعداد رسائل الماجستير والدكتوراه ومشاريع التخرُّج، إضافة إلى إنهاء محاضر الغش.
وعند السؤال عن تفاصيل ذلك، قال الموظف إن المكتب «له طريقته» في إنهاء محاضر الغش، والمطلوب إرسال البيانات المتعلّقة بالكلية والفرقة الدراسية وصورة جواز السفر وعمل التوكيل، إضافة إلى 750 دولاراً، ثم يبقى أن يذهب الطالب إلى الجامعة فيجد أن المحضر قد ألغي!
وعلّقت المحامية أمثال العجمي على هذه الممارسة، فقالت إن تدخّل المحامين في قضايا الغش الطلابي يجب أن يكون للتأكد من عدم التعسّف في العقوبة والقرارات التي تتخذها الجامعة، وضمان التحقيق مع الطالب بنزاهة، وبما يضمن سير العدالة، لا أن يوعد الطلبة بإنهاء المحضر تماماً؛ فالعقوبة يجب أن تكون واقعة على الطالب الذي يثبت تورُّطه في الغش.