كيف يمكن تأهيل المعلم لمواكبة عصر التعلم عن بعد

منذ أن ازداد الحديث طيلة العقد المُنصرم عن تحول التعليم شيئاً فشيئاً إلى الرقمية، ليصبح عصرياً كما هو الحال مع كل شئ تقريباُ، ونحن نتعامل مع هذه الحقيقة بصيغة المستقبل الذي ننتظره. فنعرف أنه ستأتي اللحظة التي سيتغير فيها كل ما يخص العملية التعليمية ولكن لا ندرك متى بالتحديد. ويأتي وباء كورونا ويقلب الوضع رأساً على عقِب، ويصبح كل من هو مُشترِك بالعملية التعليمية مطالَباً بالتحوُل فى يوم وليلة. وفي عالمنا العربي، حيث يعاني التعليم من إنخفاض الجودة، كان الوضع أكثر صعوبة. فاستخدام الوسائل الإلكترونية كأداة أساسية تحِل مَحل التعليم التقليدي، كان عُملة نادرة جداً، وفجأة أصبح مصير الطالِب والمُعلِم مُرتبطاً بالتعلم عن بُعد.

المُعلِم العربي..بين الرسالة الأسمى وغياب القُدرات

لا يخفى على أحد حال التعليم فى الوطن العربي على وجه عام، والمُعلِم العربي كحجر الأساس في هذه العملية على وجه خاص. فالمُدرس هو نتاج ما تلقاه من التعليم الذي نعاني منه الاَن. فمع الإهمال المتراكم في العناية بجودة مُعلم المستقبل، بدأت وظيفة التدريس في التدهور كنتيجة طبيعية، مما أفرز قطاع كبير من معلمي قليلي الكفاءة وغير مُتقنين لا لمحتوى التدريس ولا لمهارات وظيفة المُعلم. وما ساهم في جعل الأوضاع أكثر سوءاً هو عدم اهتمام دول الوطن العربي بالإرتقاء بمكانة المعلم، وتلبية إحتياجاته الضرورية لمعيشة كريمة، يستطيع من خلالها تأدية دوره، بدلاً من اللجوء إلى ما يُثقِل كاهله وكاهل الطلاب واَبائهم، وهو ما يعرف بالدروس الخصوصية.
التعلم عن بعد

وتُمثِل الدراسة عن بُعد الثورة القادمة في قطاع التعليم. وحسب إحصائيات المنتدى الاقتصادي العالمي تم تقدير الاستثمار الذي تم ضَخه في تطوير تقنيات التعلم الاكتروني 18.66 مليار دولار في عام 2019 . وفي دراسة اعدها المركز الوطني لاحصائيات التعليم في أمريكا، وُجِدَ أنه في العام 2018، سجل أكثر من 6.9 مليون طالب أو ما يُعادل 35.5% من الطلاب الأمريكيين في برامج التعلُم عن بُعد خلال مرحلة الدراسة ما بعد الثانوية

وعندما اصاب فيروس كورونا العالم بالشلَل وتتسبب في إغلاق المؤسسات التعليمية حول العالم، وحِرمان حوالي 1.2 مليار طفل من التعليم التقليدي3، أصبحت هذه الثورة الجديدة تعبر عن الإتجاه العالمي الجديد. اصبحت غرفة الدراسة هى غرفة التواصل في برامج مثل “zoom” و “Microsoft teams”، وانتهى عصر كثير من المهارات التي كان يعتمد عليها المعلم، وصار هناك ضرورة ملحة لتطوير واكتساب غيرها لتجربة تعليمية اكثر سلاسة.
الاستجابة للثورة الجديدة بين جيلَين مختلفين

مهارات حديثة مقل المعرفة بكيفية استخدام تقنيات التعلُم عن بعد والتعامل معها، وتحقيق التواصل مع الطُلاب من خلال الشاشة، بالاضافة إلى تحقيق التعاون والمُشاركة بين الطلاب كما هو الحال خلال الدراسة بشكلها التقليدي، تُمثِل تحديات ليست بالسهلة على المعلم العربي، الذي لم يتأسس على مثل هذه الإمكانات التي تعزز من دوره كشارح ومُدَرِس في هذا العصر. وظهر هذا جلياً في الفرق الواضح بين ردود افعال المعلمين تجاه التحول الالكتروني. فبالمقارنة بالمعلمين الأكبر عَمراً، أظهر المعلمين الشباب قابلية أكثر على مواكبة هذا التغيير، وذلك لما يتوافر لهم من خبرة مُسبقة،كشباب،على ممارسة هذه الوسائل في حياتهم اليومية. على العكس كان المُعلمين الذين اعتادوا على التعليم وجهاً لوجه ولم يتأقلموا مع الوضع الجديد بسرعة وكفاءة. حيث ظهر ضعفهم في اللحاق بركب التطور الجديد والمُتمثل في التدريس ضعيف الجودة.

حلول جذرية لا يمكن إغفالها

وفي عيون الدول والحكومات العربية، لا يجب أن يتم التعامل مع الوضع على أنه وضع مؤقت وطارئ. فمع استمرار فيروس كورونا في المستقبَل القريب، ومع الاتجاه الدولي الجديد بتبني هذه الوسائل كعصر جديد من عصور التعليم، وجب إيجاد حلول جزرية لتأهيل المعلمِ العربي واكتساب ما تم اغفاله من قُدرات هى الأهم في هذه الحقبة الجديدة. و يجب أن تبدأ عملية الاصلاح من اللبِنة الأولى، بحيث يتم تأسيس جديد لمناهج كليات التربية تكون قائمة على التكنولوجيا وما يتم استخدامه الاَن من وسائل. فلتنشئة أكثر جودة لمعلم العصر الجديد من الضروري أن يقبل المدرس على إجادة التواصل الذهني بينه وبين الطلاب عن بُعد، وأن يتم التعامل مع العملية التعليمية الجديدة على أنها حقيقة قائمة. ودور الدولة هو توفير كافة المتطلبات التي تُساهِم في سير هذا التجهيز والاعداد على اكمل وجه، حيث يقع على عاتقها توفير بنية اتصال تحتية جيدة للمعلم خصوصاً مع وقوع دول مثل مصر ولبنان والجزائر وتونس بمؤخرة الترتيب العالمي على مؤشر البنية التحتية 4، بالاضافة الى كافة الوسائل الاخرى مما يساعد في انجاز هذه المُهِمة.
اصلاح ما يَمكن اصلاحه في الوقت الحالي

ولتفادي فجوة محتملة بين المُعِلمين، معلم المستقبَل والمعلم الحالي، في الوطن العربي، يجب أن تضع الحكومات نُصب أعينها أبعاد النظام الجديد، وأن تبدأ بتحديد أجندتها فيما يخُص المعلمين الحاليين. وتكون على رأس هذه القائمة تدريب هيئة التدريس وقطاع المعلمين على التعلم عن بعد. وتُعد هذه الخطوة بالاضافة إلى دمج الوسائل الجديدة تدريجياً في طرق التدريس التي يتم استخدامها حاليا، جحر الأساس حتى يتسنى أن يُسفر هذا عن التحول الكامل للعملية التعليمية في الوطن العربي. ولا يجب أن يتوقف الأمر على ذلك، حيث تم الاشارة في بحث بعنوان “دور التعليم الإلكترونى في تطوير التعليم بجمهورية مصر العربية” إلى ضرورة إدماج كل من لهم صلة بالتعليم في هذا التدريب وتعزيز المهارات. واقتصار فئة دون غيرها عليه سينتُج عنه صعوبات في تأدية العمل على أكمل وجه ولن يكون كافياً للنهوض بالمنظومة التعليمية والتربوية ككل .

توجيهات عامة لتجربة أكثر تأثيراً

إعتمد على البساطة: يحِل التعلم عن بعد ضيفاً جديداً على الكثير ولاسيما الطلاب أنفسهم، فكون الوضع جديد نسبياً سيُسفرعن الكثير من الأسئلة والاستفسارات، لذلك لا غِنى عن التبسيط قدر المستطاع و تجنب كل ما هو مُركب. 6
أسس لطلابك مرجع: لا يهم إذا كنت ستستخدم منصة “Google Drive” أو على أى منصة أخرى، الشئ الأهم هو وجود مرجع جامع يُوفر على الطلاب الكثير، ويكون عوناً لهم في أثناء الدراسة وحدهم.
أكثر ما سيُفتقَد هو التواصل: ولما كان التواصل من أكثر العوامل تأثيراً في الفهم والاستيعاب، يجب أن تُحافِظ على أن يكون هذا التواصل مستمر ومستدام. فاستخدام البريد الإلكترونى، المُراسلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الهاتف الجوال سيُسفر عن بناء جسور للتواصل مع كل طالب على حدة، وبذلك لن يُفقد هذا العامل بالكليةً.
صمِم طريقتك الخاصة: قُم أنت باحكام السيطرة على محتواك وفصولك، اصلح عيوبك وأعِد نفسك لعالم التعليم جديد.

قد يعجبك ايضا