دراسة : الخبرات التقنية المصرية الأكثر هجرة للخارج

جريدة تعليم
حين كانت وزارة الإسكان المصرية تعلن عن طرح مقابر للمغتربين بالدولار الأميركي، أعلنت شركة لينكد إن للتوظيف عن نتائج دراسة شاملة وموسعة، بالتعاون مع البنك الدولي، أظهرت تبوأ مصر رأس قائمة الدول الأكثر طرداً للعقول المبدعة في مجال تكنولوجيا المعلومات. وجاء على رأس المجالات التي تخسر فيها مصر كوادرها المبدعة البحوث، تلتها البرمجيات والذكاء الاصطناعي. وأفادت الدراسة نفسها بأن أكثر الدول المستفيدة من المواهب المصرية هي الإمارات العربية المتحدة، ثم ألمانيا، وكندا، والكويت، والولايات المتحدة الأميركية.

هذه ظاهرة قديمة، وما استجد عليها ويعد أخطر منها هجرة المهارات المتخصصة في الشؤون الصحية، مثل الأطباء والممرضين، كما يقول “نادر”، وهو اسم مستعار لواحد من أساتذة تكنولوجيا الفضاء الذين يعملون في الخارج.

يوضح نادر أن مسألة هجرة العقول المبدعة من أجل فرص أفضل ليست مشكلة في حد ذاتها، وهي ظاهرة عالمية، إذ ينتقل صاحب التخصص الدقيق إلى بلد تتوافر فيه قاعدة علمية ومنظومة تستفيد من تخصصه وتفيده، لكن الخطر الذي تظهره دراسة “لينكد إن” يتمثل في “نزيف الكوادر التي تعتمد عليها صناعات مهمة وأنشطة حيوية”، مستدلاً على ذلك بهجرة الأطباء أخيراً، ما يهدد المنظومة الصحية في مصر.

“نادر” الذي فضّل عدم كشف هويته، خشية على أسرته في مصر، يرى في هجرة الكوادر والمهارات التقنية للخارج “خطراً سينتج عنه تأخر في هذه الصناعات”. يوافقه في ذلك سامح، وهو مبرمج شاب فضّل أن يتحدث لـ باسمه الأول فقط تجنباً للملاحقة الأمنية. يقول إنه اختار أن يعود “صنايعياً” (فنياً)، بعد أن كان صاحب شركة يعمل فيها فنيون، وهو يقدم خدمات البرمجة بنفسه لشركات خليجية بينما يعيش في القاهرة.

ويضيف، في حديثه : “لولا التزامات أسرية تجاه والديّ المسنين، للحقت بالمبرمجين الشباب الذين كانوا يعملون معي وسافروا إلى أوروبا والخليج على مدى السنوات الماضية”. ينتقد سامح مناهج معاهد وكليات متخصصة بنظم المعلومات “باتت وظيفتها أن تعطي للطالب شهادات للتأجيل من التجنيد، في حين أن المواد التي تدرس انتهت صلاحيتها، وباتت غير مطلوبة للسوق مع تسارع التقدم، ولا ينجو إلا من تدرب”. حينما ظل سامح لشهور يطلب فنيين لتوظيفهم في شركته، كان يتقدم إليه خريجون لنظم المعلومات “لا يستطيع الواحد منهم تنزيل نسخة ويندوز أو تنفيذ مهمات بدائية على الإنترنت أو في البرمجة”.

أما توفيق، فقد نجح في الاستمرار على رأس شركته المختصة بتكنولوجيا المعلومات التعليمية التي بقي فيها اثنان فقط من التقنيين حديثي التخرج، بينما يشمر هو عن ساعديه ويساعد معهما، مثل أي فني، لكي يتمكن من الوفاء بالتزامات العملاء الفنية، وخاصة على مستوى دعم المدارس. يقول توفيق، مفضلاً الاكتفاء بذكر اسمه الأول فقط، إنه يعاني لإيجاد مبرمجين أكفاء بعد استقطاب دول الخليج وأوروبا المبرمجين لهم، فيما تستمر المعاهد التعليمية التقنية والمتخصصة في نظم المعلومات في ضخ المزيد من حملة الشهادات، “من بين ألف منهم، يُعدون على أصابع اليد الواحدة من يمتلكون مهارات فنية وتقنية، وهم سرعان ما يلتحقون بأول فرصة للسفر والهجرة”.

يعترف توفيق بأنه يكافح لبقاء شركته مفتوحة، حتى لا يضطر للعمل فنياً عن بُعد لصالح إحدى الشركات العالمية، لافتاً إلى أن “العديد من شركات نظم المعلومات والتقنية أغلقت أبوابها، أو اضطر أصحابها للانتقال بالكامل للخارج بعمالتها وفنييها، حيث تكلفة التشغيل أيسر وفرص الربح أوفر”، مضيفاً: “لولا أن أبنائي كبروا، وصارت لي ارتباطات والتزامات تجاه أهلي وأسرتي هنا، لهاجرت”.

فسر توفيق، في حديثه ، تزايد معدلات هجرة العقول التقنية أخيراً بانتشار فيروس كورونا، بشكل “دفع الشركات لإتاحة العمل من المنزل لموظفيها، ما أحدث ضغطاً هائلاً على طلب منظومات تقنية تتيح العمل من المنزل، ومع قلة الكوادر الفنية هناك، استعانت بعمالة من دول أخرى، وكانت مصر أقرب جغرافياً من الهند، المنافس الأكبر والأقوى عالمياً في هذا المجال، والتي صادفت رغبة المصريين في الهجرة إلى الخارج”.

البرمجة وخدمات تكنولوجيا المعلومات لا تحتاج لانتقال الفني إلى مقر العمل، حيث يعمل هؤلاء أصلاً في شركاتهم في مصر من منازلهم، فلماذا انتقلوا إلى أوروبا والخليج بينما كان بإمكانهم العمل وسط أهلهم في مصر، والحصول على مرتبات بالدولار من شركات في الخارج؟ يُرجع طارق سليمان، وهو مبرمج مصري يعمل في ألمانيا، الأمر إلى رغبة الشباب في ترك البلاد. يقول: “جاءت فرصة العمل مبرراً مناسباً للهجرة”. ويضيف متحدثاً : “على الرغم من أنه من الأفضل للمرء مادياً أن يجلس في بلاده، ويحصل على الأجر نفسه، فإن المعيشة في الخارج أقل وطأة على النفس من العمل في الداخل حيث التهديدات كثيرة”. ويردف: “أردت أن أعيش في بلد حيث أعامل باحترام”.

يتفق معه في الرأي خالد، وهو مبرمج شاب سافر إلى تركيا قبل سنوات من دون فرصة عمل. ويقول : “الخروج كان هو الاختيار الأول، كي أستطيع أن أتنفس بحرية، وأعمل بحرية، وقلت لنفسي إنني سأجد فرصة للعمل لأن مجالي مطلوب، واكتشفت أن زملائي في شركات أخرى خرجوا للسبب نفسه، وكان العمل حجة للخروج”. أما عن الأهل الذين تركهم خالد وراءه، فيساعدهم بمبالغ مالية شهرية، ويسعى لجلبهم إلى حيث يقيم اليوم في ألمانيا التي وصل إليها قادماً من تركيا.

على موقع “تويتر”، قال مغردون إن ظاهرة الهجرة والتجنس بغير الجنسية المصرية تتخطى مجرد رغبة لاعب في الاحتراف أو فني في التكسب، بل تعد احتجاجاً على تردي الأحوال عموماً. وقال مستشار رئيس الجمهورية للشؤون العلمية سابقاً عصام حجي: “قبل أن نغضب من لاعب فاضل بين إمكانات ورعاية كبيرة كانت أو صغيرة سخرت له في مصر على مدار السنين لظروف أكثر سخاء في إنكلترا، أحزن على آلاف الباحثين والطلبة الذين هاجروا وشتتوا بحثاً عن الحد الأدنى من الإمكانات لإكمال رسالتهم في خدمة أمة اقرأ التي لا تقرأ غير أخبار اللعب والترفيه”.

في المقابل، تقدم عضو مجلس الشيوخ ومساعد رئيس حزب الوفد للتخطيط الاستراتيجي، المهندس حازم الجندي، بطلب مناقشة عامة لرئيس مجلس الشيوخ، بشأن استيضاح سياسات الحكومة حول ظاهرة هجرة الكوادر والمهارات للعمل في دول الخارج. وجّه الجندي طلب المناقشة إلى رئيس مجلس الوزراء، ووزيري التعليم العالي، والقائم بأعمال وزير الصحة والسكان. وكشف الجندي، في طلب المناقشة العامة، أن هناك ما يقرب من 110 آلاف طبيب ـ على سبيل المثال ـ هاجروا من مصر خلال الثلاث سنوات الماضية، ما يمثل نصف عدد الأطباء المقدرة أعدادهم بحوالي 215 ألف طبيب، موضحاً أن تلك الأرقام تشير إلى أن متوسط عدد الأطباء لكل مواطن في تناقص، حيث أصبح 10 أطباء لكل 10 آلاف مواطن في مصر، بينما يبلغ المعدل العالمي 32 طبيباً لكل 10 آلاف مواطن.

“العربي الجديد”

قد يعجبك ايضا